تزداد مخاوف عموم اللبنانيين من اندلاع حرب بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني، وذلك بعد ارتفاع منسوب التوتر والاشتباكات في الآونة الأخيرة، وتزايد القصف المتبادل الذي زادت معه كمية الصواريخ ونوعية القذائف المستخدمة على المناطق الحدودية، وتصاعد العمليات الاستخباراتية.
يضاف إلى ذلك الحديث عن وضع الجيش الإسرائيلي خططاً للحرب على لبنان، ورفع جاهزية وحداته القتالية، وتهديدات أطلقها مسؤولون إسرائيليون، وكان آخرها تهديد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بالقضاء على حزب الله في حال اندلاع “حرب شاملة”، فيما حذر، بالمقابل، أمين عام هذا الحزب حسن نصر الله من أن أي مكان في إسرائيل “لن يكون بمنأى” عن صواريخ عناصره في حال اندلاع حرب، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول قرب اندلاع معارك بين الطرفين، وسط تحذيرات من جر المنطقة نحو حرب شاملة، لا أحد يعلم مداها، ومن ستطول بنيرانها، فيما يتخوف معظم اللبنانيين من الثمن الباهظ الذي سيدفعونه من جراء اندلاعها، في الأرواح والممتلكات، مثلما دفعوه في حروب سابقة، لم يشاركوا في اتخاذ قرارها.
لا تريد الإدارة الأميركية اندلاع حرب جديدة في المنطقة، ولا توفر فرصة إلا وتعلن عدم رغبتها باندلاع حرب أوسع في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النظام الإيراني، الذي أعلن قادته بالمقابل أنهم لا يريدون توسيع رقعة الاشتباك، واعتمدت أطراف محور المقاومة ما أطلق عليه مرشدهم الأعلى علي خامنئي اسم “الصبر الاستراتيجي”.
لكن مؤشرات ميدانية عديدة تشي باقتراب اشتعال المعارك بين إسرائيل وحزب الله، وذلك على وقع التصعيد المطرد على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، والذي دفع المبعوث الخاص للرئيس الأميركيّ جو بايدن، آموس هوكشتاين، إلى التأكيد على أن “خطر الحرب الشاملة” قائم، ويجب العمل على تفاديه، حيث يعكس كلامه الرؤية الأميركيّة في وقت يسود فيه التوتر بين بايدن ونتنياهو، على خلفية شكوى الأخير من تأخر تسليم شحنات الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل، واعتبرتها الإدارة الأميركية أنها “كانت مخيبة للآمال بشدة ومهينة”، بالنظر إلى حجم الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أكثر من ثمانية أشهر.
نأى النظام الإيراني بنفسه عن عملية حماس، وتنصل من أي مسؤولية في التحضير أو التخطيط للعملية، لكن هذا النظام حاول في الوقت نفسه توظيف دماء أهل غزة، والاستثمار فيها، لصالح مشروعه التوسعي في المنطقة.
الواقع هو أن نذر الحرب بين إسرائيل وحزب الله لاحت منذ اليوم الأول للحرب التي بدأتها إسرائيل ضد قطاع غزة، على إثر عملية “طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس ضدها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وطرحت تساؤلات عن إمكانية دخول إيران وتابعها حزب الله اللبناني في الحرب ضد إسرائيل، تحقيقاً للشعار الذي لم تتوقف أطراف المحور الإيراني عن طرحه طوال سنوات عديدة حول “وحدة الساحات”، لكن خلافاً لكل ذلك نأى النظام الإيراني بنفسه عن عملية حماس، وتنصل من أي مسؤولية في التحضير أو التخطيط للعملية، لكن هذا النظام حاول في الوقت نفسه توظيف دماء أهل غزة، والاستثمار فيها، لصالح مشروعه التوسعي في المنطقة، عبر الإيهام بأنه يقف إلى جانب الفلسطينيين.
كان قرار مشاركة حزب الله في الحرب أو عدمه هو قرار يخص حسابات النظام الإيراني، الذي ألزم كل أطراف محور المقاومة، وخاصة الميليشيات الموجودة في لبنان وسوريا والعراق، بضبط عملياتها ضمن قواعد محددة بمرجعيته، وألا تتجاوزها المناوشات المحدودة. ووفق تلك الحسابات بدأ حزب الله بهجماته على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وأراد منها إظهار عدم تخلي محور الممانعة ومن ورائه النظام الإيراني عن دعم حماس، والإيحاء باشتراكهم في الحرب، مع الحرص على ألا يبلغ ذلك درجة التصعيد المتدرّج نحو معركة مفتوحة مع إسرائيل. وحاول حزب الله فرض معادلة القصف المتبادل والمحسوب على الحدود، وراح يتدرج بحدته مقابل الاغتيالات وعمليات القتل التي تستهدف عناصره في الجنوب اللبناني، لكن قادة إسرائيل وجنرالاتها لم يقروا هذه المعادلة، وراحوا يهددون بتوسيع رقعة الاشتباك، ويضعون خططاً لحرب وشيكة، فيما وجه أمين عام حزب الله حسن نصر الله تهديداته، التي توعد فيها باستهداف قبرص في حال شنّت إسرائيل حرباً على حزبه، بما يعني أنه سيلجأ إلى توسيع دائرتها لتطول دولة في الاتحاد الأوروبي، وتمتلك بريطانيا قواعد عسكرية فيها.
نظام الأسد لن يقوم بفتح جبهة الجولان بتاتاً، حتى لو تمّ القضاء على حزب الله وعلى حركة “حماس”.
وواضح أنه أراد من وراء هذا التهديد رفع سقف التحدّي، والقول إنه بالمقابل وضع خططاً عسكرية للتصدي للخطط الإسرائيلية عبر توسيع رقعة الحرب في حال اندلاعها.
ربما، يعتقد حسن نصر الله أن تهديداته بإعلانه عن الأهداف التي سيضربها في إسرائيل وبتوسيع رفعة الحرب، ستدفع ساسة إسرائيل وجنرالاتها إلى مراجعة حساباتهم، كما ستدفع ساسة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى ممارسة ضغوط عليهم من أجل ثنيهم عن المغامرة وشن حرب على حزب الله.
المستغرب هو أن نصر الله لم يشر إلى دور محور الممانعة الذي تقوده إيران، وخاصة نظام الأسد، الذي من المفترض أن يقوم بإسناد حزب الله عبر فتح جبهة الجولان في حال شن إسرائيل حرباً على حزب الله. لكن، يبدو أنه يعي تماماً أن نظام الأسد لن يقوم بفتح جبهة الجولان بتاتاً، حتى لو تمّ القضاء على حزب الله وعلى حركة “حماس”، لأن هذا النظام يهمه كثيراً إظهار حرصه على النأي بنفسه عما تقوم به إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، مثلما يحرص على اتخاذه موقف المتفرج على اغتيالات القادة العسكريين الإيرانيين، وعمليات القصف التي دأبت إسرائيل على شنها منذ سنوات عديدة على المواقع الإيرانية في سوريا.
لا يزال الموقف الإيراني ينبني على تجنب حصول تصعيد كبير، يؤدي إلى حرب واسعة في المنطقة، ويلاقي بذلك الموقف الأميركي، حيث يتوافق معه في ضرورة منع الوصول إلى مرحلة الحرب بين إسرائيل وحزب الله، لكن قرار هذه الحرب بات في يد ساسة إسرائيل وجنرالاتها، لذلك فإن حساباتهم ستتركز على الموازنة بين ثمن وتكلفة الحرب وبقاء الأوضاع كما هي عليه إلى حين الانتهاء من حربهم على قطاع غزة.
عذراً التعليقات مغلقة