حملات توقيف، انتشار حواجز مؤقتة، تشديدات أمنية، جميعها باتت جزءا من ضغوط يومية جعلت اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت رعب العودة القسرية إلى سوريا، ويتخوفون من الخروج من منازلهم أو حتى تلقي العلاج الطبي. بحسب منظمات حقوقية، رحّلت السلطات اللبنانية أكثر من 750 سوريا، بينهم نساء وأطفال، منذ شهر نيسان/أبريل الماضي.
“الخوف يهيمن علينا، يتملكنا بكل لحظة، والصعوبات تحيط مختلف جوانب معيشتنا”، فالحياة باتت “لا تطاق” في لبنان حسب وصف الرجل الأربعيني، مصلح، الذي فر من سوريا منذ أكثر من عقد حرصا على حياته، ليجد نفسه يعيش خوفا مستمرا تعاظم خلال الأسابيع الأخيرة في ظل حملات الترحيل التي تنفذها السلطات اللبنانية بحق السوريين.
الخوف يمنع مصلح، كحال مئات آلاف السوريين هناك، من إكمال حياته بشكل طبيعي والخروج من منزله بحرية أو حتى معاينة طبيب أو الذهاب إلى المشفى. فخلال نيسان/أبريل الماضي وأيار/مايو الجاري، سجلت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إعادة قسرية لما لا يقل عن 753 لاجئاً سورياً في لبنان، بينهم 72 امرأة و94 طفلا.
يحاول مصلح جاهدا تجنب الخروج من منزله في بيروت، “أنا وزوجتي وأطفالي نتحرك في محيط السكن بشكل لا يتجاوز الخمسة دقائق عن المنزل”، حسبما يقول لمهاجرنيوز.
رغم أن مصلح يمتلك أوراق إقامة صالحة إلا أن خوفه من التوقيف لا يزال قائما، ويشير ناشط حقوقي سوري، فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن “جميع السوريين معرضين للتوقيف حتى لو كانت لديهم أوراق إقامة، وحتى لو كانوا مسجلين لدى مفوضية اللاجئين. لا توجد قوانين في هذا البلد تحفظ حق السوريين”.
بحسب أرقام الأمن العام اللبناني يعيش في لبنان أكثر من مليوني سوري، حوالي 800 ألف منهم مسجلين لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
انتشار حواجز مؤقتة
تركزت حملات توقيف السوريين في المناطق السكنية التي يعيشون بها، مثل برج حمود والمنصورية والدكوانة ومنطقة الرحاب وبعض الأحياء في مدينة بيروت وقضاء الشوف وقضاء كسروان وجونية وجبل لبنان، ومنطقة غزة في قضاء البقاع الغربي في محافظة البقاع.
بالإضافة إلى ذلك، تحدث سوريون عن انتشار حواجز أمنية مؤقتة في أكثر من بلدة، تهدف إلى تشديد الرقابة على السوريين وتوقيفهم.
أحمد، لجأ إلى لبنان نهاية العام 2015 ويعيش في بلدة سعد نايل (البقاع الأوسط) مع زوجته وأولاده الأربعة، يصف الوضع بأنه “في غاية التعاسة”، مضيفا خلال حديثه مع مهاجرنيوز “لا نخرج من المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى. وأنا أخاف من مغادرة منزلي لأن إقامتي منتهية الصلاحية وليس هناك مجال لتجديدها”.
يتحدث أحمد عن الرعب اليومي الذي يعيشه، فيما يراقب “انتشار حواجز مؤقتة في أكثر من مكان في البلدة، ازداد عددها بشكل خاص منذ يوم الخميس الماضي 11 أيار/مايو”، متخوفا من أن يعيش كابوس الترحيل “كما حدث مع صديقة زوجته وعائلتها التي رُحلت إلى سوريا من منطقة قب الياس في البقاع الغربي”. ورغم أنه مسجل كلاجئ لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، إلا أنه لا يحصل على أي دعم أو حماية، حسب قوله.
مركز “وصول لحقوق الإنسان” (ACHR) أفاد بأن حواجز أمنية مؤقتة جديدة، انتشرت بشكل خاص في جونيه وزحلة دوار الرحاب.
خوفهم من الترحيل أثناء مرورهم بنقاط التفتيش للوصول إلى المرافق الصحية
خلال الأسبوعين الماضيين، لاحظت فرق منظمة “أطباء بلا حدود” تغيّب بعض المرضى السوريين عن مواعيدهم، وذلك بسبب “خوفهم من الترحيل أثناء مرورهم بنقاط التفتيش للوصول إلى المرافق الصحية”.
وبحسب فرق “أطباء بلا حدود”، فإن “مناخ الخوف يؤثر على إجرائهم للإحالات الطبية الطارئة إلى المستشفيات”، متحدثين عن حالات يرفض فيها المريض الإحالة إلى المستشفى خوفا من الترحيل، خاصة إذا لم يكن لدى الشخص أوراق إقامة رسمية.
يعتبر مارسيلو فرنانديز رئيس بعثة “أطباء بلا حدود” في لبنان، أنه “لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر. ولا يجوز تطبيق أي إجراء على حساب صحة الناس. لا بد من أن تتمتع جميع الفئات المهمشة من الناس بالقدرة نفسها على الوصول إلى الرعاية الصحية في الوقت المناسب، بغض النظر عن خلفيتهم أو وضعهم”.
ضغوط قانونية
بحسب المنظمات الحقوقية، فرضت بلديات عدّة في كل أنحاء لبنان إجراءات تمييزية ضد السوريين، مثل حظر التجول للحد من تنقلهم، وتقييد قدرتهم على استئجار المنازل. كما فرضت بعض السلطات المحلية على السوريين تزويدها ببياناتهم الشخصية، مثل وثائق الهوية، وبطاقات الإقامة، وإثبات السكن، وهددت بترحيلهم إذا لم يفعلوا ذلك.
أمس الخميس، أصدر محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، مذكرة قضت بإصدار “إنذارات إلى أصحاب المحال التجارية والمطاعم والمصالح والخدمات ومستثمريهم بوجوب الاستغناء عن العمالة السورية النازحة العاملة من دون إجازة عمل وبشكل غير قانوني”.
وخص بالذكر بلدتي عرسال والقاع، قائلا إنه “تبين وجود 269 مؤسسة مستثمرة من قبل لاجئين أو لبنانيين يوظفون لاجئين من دون مسوغ قانوني بصورة غير شرعية خلافاً لقانون العمل، لذلك تم تكليف أمن الدولة بإنذار هذه المؤسسات للاستغناء عنهم تحت طائلة الإقفال”.
يشعر مصلح بأنه يعيش “في حلقة مفرغة”، ورغم امتلاكه لأوراق إقامة صالحة فهو يجازف بالعمل في محل بقالة بشكل غير رسمي، “صاحب العمل لا يقبل إصدار إجازة عمل لي، فهي تكلفه ألفي دولار، وبالطبع هو غير مستعد لدفع هذا المبلغ”.
ما الذي يحدث بعد العودة إلى سوريا؟
بحسب الشبكة السورية، اعتقل النظام خلال الأسابيع الماضية 14 شخصاً بينهم طفل، في منطقة المصنع الحدودية أو في مدينة دمشق من قبل فرع أمن الدولة.
وفي تقرير نشره مركز “وصول” اليوم الجمعة، قال 75 لاجئا من المرحلين إن “السلطات السورية أعادت تسليمهم إلى مهربي بشر متواجدين على الحدود اللبنانية والتفاوض معهم لأعادتهم إلى لبنان لقاء مبالغ مالية تتراوح بين 150 و300 دولار أمريكي للفرد الواحد، بينما وصلت المبالغ المالية إلى نحو 3000 دولار أمريكي للأفراد الذين يواجهون مخاطر أمنية مباشرة في سوريا”.
بالنسبة لمصلح، العودة إلى سوريا ليست نقاشا مطروحا، “في العام 2014، وبسبب تدهور الحالة الصحية لزوجتي وأحد أطفالي، كنا قررنا العودة إلى سوريا علّنا نجد علاجا بتكلفة أقل، لكن فور وصولي إلى الحدود السورية، أوقفني أحد عناصر الأمن واقتادني إلى المعتقل تاركا زوجتي وأطفالي دون أي خبر عني. بقيت معتقلا لمدة 70 يوما، إلى أن تمكن أقاربي من إيجاد وسيط دفعنا له مبلغا ماليا مقابل خروجي. إلى يومنا هذا، لا أعرف سبب اعتقالي وتعرضي للعنف، فأنا لم أرتكب شيئا ولم يكن لي دورا حتى في المظاهرات ضد النظام”.
“حلمي مثل حلم أي أب، أن يؤمّن مستقبلا كريما لأطفاله”
فور خروجه من السجن، عاد مصلح إلى لبنان غير قادر على نسيان رعب المعتقل، “أفضّل الموت هنا على العودة إلى سوريا في ظل الظروف الراهنة. ونحن السوريون لاجئون ولسنا نازحين، فأنا وكغيري من الكثير لا نريد البقاء في لبنان، لكننا لا نستطيع العودة”.
يحلم مصلح “مثل حلم أي أب، أن يؤمّن مستقبلا كريما لأطفاله دون خوف وقلق. أريد أن أعيش بسلام مع عائلتي لا أن أكون عالة على أحد، ومطلبي مثل أي لاجئ هرب من الخوف، ألا نبقى في هذا البلد، وأن نسافر إلى أي دولة ثالثة، نستطيع فيها العمل وعيش حياة مستقرة”.
السوريون “ورقة مساومة وضغط على المجتمع الدولي”
تأتي عمليات الترحيل في ظل تطورات دبلوماسية على الساحة العربية وحضور الأسد قمة الجامعة العربية في جدة، الأمر الذي دفع الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى التذكير بأن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية “لا يعني أن سوريا أصبحت بلدا آمنا لعودة اللاجئين، لأن النظام ما زال يمارس جرائم ضد الإنسانية”.
برر السلطات اللبنانية ترحيل السوريين إلى قرار أصدره مجلس الدفاع الأعلى القاضي بترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان بطريقة غير قانونية بعد نيسان/أبريل 2019، لكن هذا الإجراء لا يراعي شروط العودة الآمنة، ويعرض السوريين لخطر التعذيب والاضطهاد.
وبحسب مركز وصول لحقوق الإنسان، فإن لبنان لا يزال يستخدم ملف اللاجئين السوريين كـ”ورقة مساومة وضغط على المجتمع الدولي”، مبررا أن التصعيد يحصل عادة قبيل المؤتمرات الدولية الداعمة لسوريا، كمؤتمر بروكسيل المزعم انعقاده في منتصف شهر حزيران/يونيو القادم.
يعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة، واحدة من أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية على مستوى العالم منذ خمسينيات القرن الـ19، حسب تصنيف البنك الدولي، فيما ترى منظمة “العفو الدولية” أن السلطات تعمد إلى “استخدام اللاجئين ككبش فداء للتغطية على إخفاقها”.
عذراً التعليقات مغلقة