يشكو معظم اللاجئين السوريين في تركيا من ارتفاع في إيجار المنازل يتراوح بين الضعف إلى ستة أضعاف دون سابق إنذار، وسط قيود ليس أقلها القرارات الحكومية الأخيرة حول حظر الأحياء عن السوريين وتثبيت النفوس من جهة، واحتكار واستغلال أصحاب المنازل بمساعدة المكاتب العقارية من جهة أخرى.
في استطلاع رأي أجرته “أورينت نت” على مجموعة فيسبوك خاصة بالسوريين في تركيا، حول تعرّض المستأجرين السوريين للدفع أكثر من اللازم بضغوط من صاحب البيت، شمل عينة من 417 مشاركاً، أكد 86 في المئة (361 شخصاً) من المصوّتين على الاستطلاع اضطرارهم للدفع زيادة، بينما 14 في المئة (56 شخصاً) أفادوا بأنَّهم لم يتعرّضوا لابتزاز بالدفع حتى اليوم.
عوامل الاضطرار لدفع الزيادة
حسب المشاركين في الاستطلاع، وآخرين تواصلت “أورينت” معهم فإنَّ مجموعة عوامل تقف وراء قبولهم بدفع الزيادة، واصفين عملية البحث عن منزل بـ “أبشع حرب نفسية” حيث يرهقهم البحث، وتتمثل بثلاثة أسباب:
- رفض بعض الأتراك تأجير منازلهم بسبب جنسيتهم السورية حتى لو حملوا الجنسية التركية.
- حظر الأحياء السكنية للأجانب (السوريين) منذ شباط/فبراير الماضي.
- صعوبات تسجيل عنوان السكن في دائرة الهجرة.
ويقول الناشط تيسير أبو معاذ، أحد سكان مدينة الريحانية لـ”أورينت”: إنَّ أزمة إيجار المنازل بدأت مع تطبيق قرار حظر السوري ما جعله مقيّداً للحي الذي يقطنه لذلك هو “أسير لصاحب المنزل يخضع في كلّ مرّة يطلب منه الزيادة” فضلاً عن “مخاوف من إجراءات تغيير قيد النفوس” بالتالي إيقاف الكملك والتعرّض للترحيل. مضيفاً: إنَّ “أجار منزلي 2500 ليرة ومع قدوم العام الجديد هناك تجديد للعقد، وبالتالي سيطالب صاحب السكن بزيادة وسأضطر للدفع”.
في مدينة أورفا، يشير السوري عبد الرحمن أباظ لـ”أورينت”: إلى اضطراره للعمل في منطقة أخرى لقلة فرص العمل وقلة الأجور، لكن عائلته مجبرة للسكن في أورفا بسبب قيد الكملك، موضحاً أنَّ تأمين الإيجار بات أكثر صعوبة مع “استغلال أصحاب البيوت بحجة تدهور سعر الليرة أمام الدولار”، إذ تتراوح الأسعار من 600 ليرة إلى 4000 آلاف ليرة حسب نوعية البيت والمنطقة، مضيفاً، أنَّ السوري كان يجد منزلاً يناسب إمكانياته المادية لكن اليوم تكون الأجرة على حساب مصاريف أخرى مثل الملبس والمأكل.
فيما يتحجج البعض بنسبة التضخم في تركيا الذي ارتفع مؤخراً إلى أكثر من 100 في المئة، ما دفع مالكي العقارات إلى رفع الإيجارات لأرقامٍ خيالية، تفوق النسبة التي حددتها الحكومة التركية والبالغة 25 في المئة. حيث ذكر أحد المشاركين بالاستطلاع أنَّ الزيادة لبيته بلغت 116 في المئة حسبها صاحب البيت عبر موقع يحسب نسبة التضخم في إسطنبول.
كما أكدت إحدى السوريات في منطقة أفجلار بمدينة إسطنبول، أنَّها اضطرت للانتقال لمنزل جديد في أيلول/سبتمبر الماضي وجدته بصعوبة بـ6000 ليرة بعد ضغط من صاحبة المنزل القديم بحجة بيعه والذي كانت أجرته 3000 آلاف ليرة. أيضاً أفادت سورية أخرى في الاستطلاع، بأنَّها مضطرة لدفع ضعف المبلغ (من 950 إلى 2000) لمنزلها المكون من غرفة وصالون آخر طابق في تشارشمبا بمدينة بورصة.
وفي منطقة أسنيورت يقول الناشط أحمد الصالح لـ”أورينت نت”: إنَّ أجار منزله ارتفع من 700 إلى 1700 ليرة في الشهر الرابع من العام الجاري، وتضاعف في الشهر العاشر الماضي إلى 3000 ليرة، موضحاً أنَّه قبل بالزيادة لأنَّ تكلفة الخروج لمنزل جديد أكثر بكثير، فالشقة السكنية بمساحة مئة متر بإسطنبول في العام الماضي كانت تتراوح بين 3000/5000 ليرة بحسب كل منطقة ومميزاتها، بينما اليوم 5000 ليرة لا تكفي أجار شقة 70 متراً.
وفي مدينة مرسين اجتمعت هذه العوامل مع عائلة سورية تُضاف إليها ظروف صحية فالأم تعاني من صعوبة في المشي، ولديها ثلاثة أولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم كرسي متحرك، إذ استمر البحث عن منزل يناسبهم قرابة الشهرين واضطروا للدفع بالدولار حسب طلب صاحبه بما يعادل ستة أضعاف بيتهم السابق الذي أبلغهم صاحبه بأنَّه باعه ولا يريد تجديد العقد، لكنّه تبينت خديعته بعد خروجهم فسرعان ما أجره لعائلة أخرى. وبعدها واجهت العائلة “صعوبة تجديد قيد النفوس”، نتيجة عدم موافقة الموظفة على التوقيع بحجة أنَّ البيت ما زال قيده للعائلة السابقة حتى تم توقيف راتب الهلال الأحمر وهم بأمس الحاجة للمال.
أسباب الزيادة من المكاتب العقارية
عيسى ديب، صاحب مكتب عقاري في مدينة أنطاكيا، يؤكد لـ”أورينت” أنَّ ارتفاع أجار المنازل بشكل ملحوظ أدى لعزوف بعض السوريين عن العمل في العقارات. لافتاً إلى أنَّه اختار مجال البيع والشراء منذ أكثر من عام.
ويعزو ديب، سبب الزيادة إلى رغبة صاحب المكتب بأخذ سعر كمسيون أعلى كونه درج منذ سنوات أن يأخذ نفس قيمة أجار البيت إن كان ألفي ليرة يأخذ مثلها ونفس المبلغ يكون تأمين لصاحب البيت، بعدها أصحاب البيوت باتوا يطمعون بالزيادة.
وباعتقاده، تتحمل المكاتب العقارية ما نسبته 70% في سبب الارتفاع على مستوى أنطاكيا التي فيها نحو 300 مكتب عقاري بينهم فقط 3 مكاتب سورية، وربما تنطبق الحالة على بقية المناطق، موضحاً أنَّ ارتفاع الأسعار بدأ قبل نحو 3 سنوات، ونسبة الزيادة القانونية كانت 10% وأصبحت 25%، وقرار الزيادة 35% سيطبق لاحقاً لكن أصحاب المنازل استبقوا القرار بالرفع 100% وأكثر.
كذلك يأتي ارتفاع الإيجار نسبةً لأسعار البيع والشراء، حيث كان متوسط سعر المنزل 300 ألف ليرة وأجرته 900 ليرة، بينما اليوم سعر الشقة السكنية الجديدة لا تقل عن مليون ليرة. ومنذ شهر تموز/يوليو الماضي إلى اليوم أسعار المواد الاستهلاكية في تزايد بالتالي البيوت ارتفعت لأسعار فلكية غير مقبولة، والزيادة تشمل المستأجر التركي والسوري. حسب ديب.
ويتابع: إنَّ قرار حظر الأحياء فاقم أزمة المنازل نفسياً ومادياً وساعد القرار أصحاب المكاتب والمنازل أن يرفعوا الأسعار دون رقابة قانونية أو رأفة بالمستأجر، فلا يستطيع المستأجر أن يذهب لحي آخر هو مجبر للخضوع لصاحب البيت.
ويذكر ديب أنَّ وضع الأسعار عشوائي وكيفي لا يوجد قانون يضمنه، وصاحب البيت يقول للمستأجر “يريد بيعه” ولا يصارح المستأجر بأنَّه يريد زيادة وسرعان ما يؤجره لآخر بأغلى أو ربّما صاحب المكتب اتفق مع صاحب البيت على إخراجه لأنّه وجد زبوناً يدفع أكثر، فالموضوع تجاري.
الإيجارات دون حدود قانونية
الناشط في قضايا حقوق اللاجئين السوريين في تركيا طه الغازي، يرى أنَّ الشكاوى من ارتفاع أجار المنازل تزامنت مع قرار حظر الأحياء السكنية للسوريين أو الأجانب، وخطة التخفيف تعتبر بحد ذاتها “آلية دفع غير مباشرة إلى العودة القسرية”. لافتاً إلى أنَّ القضية ليست متعلقة فقط بالسوريين بل أيضاً تشمل الأتراك وقد وصلت لحوادث شجار بين الأتراك خلال الأشهر الثلاثة الماضية، نتيجة غياب البيئة القانونية التنظيمية لأسعار الإيجار.
ويوضح الغازي المقيم في إسطنبول لـ”أورينت” أنَّ القانون مُغيّب عن اللاجئ السوري، لذلك نسبة الزيادة للاجئين السوريين تكون أعلى من المواطن التركي تصل من ضعف لستة أضعاف، مضيفاً: إنَّ “طريقة التعاطي من مواطن لمواطن تختلف من مواطن للاجئ”.
نمطية الإنسان السوري حتى لو مجنّس ترسخّت لدى ذهن المواطن التركي بأنَّه “ضعيف” ومهما ضغط عليه أو نصب عليه أجرة عمله أو رفع الإيجار يكون مطمأن بأنَّ السوري لن يستطيع الدفاع عن نفسه ويضطر للتغاضي عنه. ويقول الغازي: إنَّ عمله بالدفاع عن حقوق وقضايا اللاجئين السوريين مع جميع الأحزاب السياسية الحكومية والمعارضة، كان “بهدف تحسين القيمة المجتمعية للسوريين التي لا نعلم كيف ستصبح لاحقاً”.
من جانبه، يؤكد المحامي السوري حيدر هوري المقيم في ولاية مرسين، لـ”أورينت نت”، أنَّ أسباب ارتفاع الأسعار: هي “التضخم، وانهيار قيمة الليرة، وتدفق موجات هجرة من قبل الأوكران والروس الذين غالباً يدفعون أكثر من غيرهم”.
ويُبيّن أنَّ القانون التركي ضامن لحقوق المستأجرين، ولكن جهلهم بالقانون يجعلهم يخضعون لطلب المؤجر منهم بالإخلاء، لافتاً إلى المؤجر لا يحق له أن يتجاوز النسبة المئوية لزيادة الأجور سنوياً، ولضمان حقوق المستأجر يجب تنظيم العقد، ودفع الإيجار في مواعيده ومن خلال حساب بنكي مع بيان سبب الدفع وعن أي شهر.
والمؤجر، حسب المحامي، لا يمكنه إخراج المستأجر قبل انتهاء العقد، مع التزامه بالإجراءات مثل إخطاره قبل 15 يوماً من تاريخ انتهاء العقد بعدم رغبته بالتجديد، وأن يكون لديه سبب محق لطلب الإخلاء.
يذكر أنَّ وزير العدل التركي بكر بوزداغ، أكد في 9 حزيران/يونيو الماضي، أنَّ “الحكومة ستضع حداً أعلى يتعلق بالزيادة المسموحة في إيجارات المنازل عند 25 في المئة، على أن تطبق على عقود الإيجار الموقعة حتى 1 يوليو/ تموز 2023” . مضيفاً أنَّ القانون الحالي يسمح بزيادة الإيجار بما يتماشى مع تضخم أسعار المستهلك لمدة خمس سنوات، ولا يمكن أن تتجاوز الزيادة معدل التضخم.
عذراً التعليقات مغلقة