حرية برس – سوريا:
قدم ثلاثة ناشطين في الثورة السورية، بينهم معتقل سابق في سجون نظام بشار الأسد، شهاداتهم في مجلس الأمن الدولي حول انتهاكات النظام السوري، مطالبين المجلس باتخاذ إجراءات لإنقاذ ملايين السوريين.
وعقد مجلس الأمن مساء أول أمس الاثنين، جلسة مخصصة لمناقشة الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري، وفق آلية “آريا” (Arria) التي تتيح لأعضاء المجلس دعوة أفراد للاستماع لشهاداتهم في جلسة غير رسمية في قضايا يختص بها مجلس الأمن.
وفي الجلسة الافتتاحية، تحدّثت رئيسة الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، كاثرين مارشي أويل، وأستاذ قانون الجرائم والقانون الدولي، البروفسور كلاوس كريس، ثم كل من اللاجئ السوري والمعتقلِ السابق والناشط في حقوق الإنسان، عمر الشغري، والصحفيةِ والمخرجة السينمائية السورية، وعد الخطيب، والمحامي والناشط السوري، إبراهيم العلبي.
وقال المعتقل السابق في سجون الأسد الناشط عمر الشغري خلال الجلسة المخصصة للاستماع فقط: “إذا أُتيحت لكم فرصة لإنقاذ روح بريئة دون تعريض أرواحكم للخطر فهل ستفعلون؟، نعم غالبية الأشخاص يفعلون ذلك، هناك أكثر من 3000 فرصة ضائعة لحماية المدنيين الأبرياء في سوريا، منذ ذلك الوقت قتل نظام الأسد 350 ألف سوري وفقاً للأمم المتحدة، وأنا كنتُ سأكون من بين هؤلاء، عندما كنتُ طفلاً اعتقلني النظام وبقيت 3 سنوات معتقلاً”.
وأضاف “الشغري”: “بعد خروجي من المعتقل كان حديث والدتي عن كيفية إيقاف نظام أسد ومنعه من إزهاق المزيد من الأرواح، هذا ليس معجزة، فقط يتطلب الشجاعة والتحرك والإصرار، لأن الناس الذين ذكرتُهم بمن فيهم أصدقائي المقرّبون وأقاربي الذين ماتوا معي في السجن، الناس الذين صوَّرهم قيصر، الناس الذين دُفِنوا رحَلوا جميعاً، عائلتي أبي وإخوتي الذين ذُبِحوا رحلوا جميعاً وفات الوقت لإنقاذهم”.
ودعا في حديثه، المجتمع الدولي للتحرك وإنقاذ الملايين المتبقية على قيد الحياة في شمال سوريا، واصفاً مطلبه هذا بأكبر مطلب يمكن طلبه من مجلس الأمن والمجتمع الدولي، وإيقاف الجرائم المستمرة وعمليات القتل الممنهجة في سوريا، مجدداً سؤاله لهم: “إذا أتيحت لكم فرصة لإنقاذ روح بريئة دون تعريض أرواحكم للخطر فهل ستفعلون؟”.
بدورها، روت الناشطة والمخرجة وعد الخطيب ما شهدته في أحياء حلب الشرقية من دمار وحصار وقصف، ثم تهجير سكانها قبل سيطرة قوات الأسد عليها بدعم روسي. قائلة: إنَه “من المفترض أن أبدأ حديثي معكم بأنْ أقول لكم إنّي أتشرف بأن أكون هنا، لكن لا يمكنني أن أقول ذلك، من أجل الشعب السوري”.
وأضافت: أن “سوريا ليست بخير ما دام الأسد يحكمُها، وأنتم ترفضون الاعترافَ بذلك، وترفضون التصرّفَ تجاه انتهاكات الأسد، وإذا كنتم تعتقدون أنَّني غاضبة، فأنتم على حقّ بالتأكيد، لقد خذلتمونا، والآن يناقش البعضُ منكم إعادةَ العلاقات مع نظام الأسد والتطبيعَ معه”.
وقالت في سياق حديثها لمجلس الأمن: “يُسمع اليوم من كثير من مسؤولي الدول ومن وسائل الإعلام أن سوريا أصبحت آمنة ويمكن العودة إليها، ولكن في الحقيقة هي ليست آمنة في ظل وجود نظام الأسد في الحكم، لقد كان لديَّ أمل كبير بوصفي مُخرجة أوثّق مآسيَ السوريين والظلم الواقع عليهم، حالي كحال الكثير من السوريين، أن المجتمع الدولي لن يتخلى عنا وأن جميع الدول ستقف بجانبنا، وأن مجلس الأمن سيفعل ما بوسعه لوقف عمليات الإبادة والقتل”.
وتابعت: “لقد اخترتم ألا تُقِرّوا بما يحدث، لقد رفض هذا المجلس أن يتحرك، والآن أحدّثكم بوصفي واحدة من ملايين السوريين الذين شهدوا الجرائم ضد الإنسانية المحرَّمة في القوانين التي وضعتموها بأنفسكم، أين غضبُكم عندما انتُهِكت تلك القوانين؟، هذا المجلس أصبح يشاهد عن بُعد مأساة السوريين، نعم لقد تخلّيتم عنا”.
واعتبرت “الخطيب” أن مجلس الأمن لم يَصدُر عنه سوى قراراتٍ بقيت قيد الطيّ، في وقتٍ توأد فيه جميع التقارير الدولية الصادرة عن لجان التحقيق والمنظمات الإنسانية وغيرها من الأطراف التي وثّقت الفظائع التي تجري في سوريا، ومع ذلك بعضكم يتحدث عن إعادة العلاقات مع نظام الأسد والبعض الآخر يعقد صفقات مع أمراء الحرب لإعمار ما دمّره النظام”.
وأكدت توجّهها وغيرها من الناشطين وبدعم من بعض الحقوقيين الدوليين، إلى مسارات دولية جديدة لمحاسبة ومعاقبة نظام أسد وروسيا أيضاً، منهم الفريق القانوني لـ غورنيكا 37)Guernica 37) وهي مجموعة حقوقية تعمل في القضايا الدولية ومقرها لندن.
وأضافت: “كما نسعى لمحاسبة روسيا على استهداف المشافي والطواقم الطبية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على أساس معاهدة كانت روسيا طرفاً فيها، ونعمل مع بعض الدول الحاضرة في مجلس الأمن المعنيين بجرائم استُخدمت فيها أسلحة كيميائية والأدلة موجودة والجُناة معروفون وكل ما هو مطلوب هو الإرادة، وما نريده هو عملية دولية ذات مصداقية، والآن أسألكم فقط (كيف ستشاركون في جهود المساءلة؟)”.
بدوره، اتهم عضو المجلس السوري البريطاني والناشط الحقوقي إبراهيم العلبي، مجلس الأمن بتشجيع نظام الأسد على مواصلة الانتهاكات، عبر الصمت على جرائمه.
وأكد أن “هناك أدلة كثيرة على أن النظام هو الجاني الرئيسي، خاصة في تقرير لجنة التحقيق المستقلة الأخير المؤلف من 1270 صفحة، فضلا عن تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية”.
ولفت “العلبي” إلى أنَّ هناك “فرصة لمحاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا، لكنها تحتاج إلى تحرك فوري وحقيقي من المجتمع الدولي”.
من جهتها، قالت مساعدة الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، ناتالي برودهرست: إن “ارتكاب الأعمال التي قد تشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لا تزال مستمرة، ولا سيما من قبل النظام السوري، ومن الضروري إحراز تقدم سريع بشأن مصير المعتقلين لدى النظام السوري والمفقودين”. مشيرة إلى أنه لا يمكن للجرائم المرتكبة في سوريا أن تمر دون عقاب، يجب بذل كل جهد لضمان تحقيق العدالة لجميع ضحايا هذا الصراع.
كذلك، ذكرت ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أن لجنة التحقيق الثلاثية ولجنة التحقيق، بدعم من الدول والمدافعين السوريين الشجعان عن حقوق الإنسان، لم يكتشفوا ويوثقوا فقط الحقيقة المروعة لفظائع نظام الأسد، ولكنهم ساعدوا أيضاً بشكل هادف في ضمان عدم تمكن أنظمة العدالة الجنائية من إنكار هذه الحقيقة، من خلال التحقيقات والملاحقات والإدانات في المحاكم الوطنية المستقلة.
وأكدت “غرينفيلد” ضرورة محافظة المجتمع الدولي على الالتزام الراسخ تجاههم، وتحقيق العدالة لجميع ضحايا نظام الأسد.
فيما رحّبت “فرقة عمل الطوارئ السورية”، التي أسهمت في تنظيم الجلسة، بما قالت إنَّه “جهودُ أعضاء مجلس الأمن الدولي حول الحاجة إلى القيام بعملٍ، بعد سنوات من الصمتِ على الجرائم الوحشية لنظام الأسد وحلفائه في سوريا”، مشيرةً إلى أن هذه الجلسة “تعكس أهميّةَ المحاسبة لمنع حصول جرائمَ وتجاوزاتٍ مماثلة، وتقديم العدالةِ للضحايا وعائلاتهم وللمتضرّرين”.
وأكدت الفرقة أن نظام الأسد مسؤول عن 90% من الجرائم التي جرت في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، وهي من أكثر الجرائم قسوة في القرن الـ21. لافتة إلى أنه من حسن حظ بعض المتضررين في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، مقدرتهم على محاولة محاسبة الضالعين في جرائم بحق الإنسانية في سوريا.
Sorry Comments are closed