لطالما أجبرتني الأبجدّية أن أرصَّ الحرف بالحرف لتكتمل كلمة “حكاية” والحكايات كثر في وطني، ففيها قصص واقعية، يظنها الجاهل من رسم الخيال، لم يؤلفها أدباء ولا شعراء ولا فلاسفة، بل كتبتها الأيام وخلدتها الذاكرة..
أختنق بين صور الأمس واليوم، بين صور الحياة والموت، بين أخضر وأسود ونجمات ثلاث، وبين لون العلم وهو مُبلل بالدم بعد أن كُفنت به الشهداء..
أختنق بين صورة رماديّة لمدينة “حماة” ونصف مليون يهتفون “حريّة” وصورها أخرى لها لا صوت يعلو صوت الظالم..
أختنق بين صورة حارس الثورة “الساروت” وهو على الأكتاف بمدينة حمص، وصورة أخرى له في بلدان الشتات، وكذلك أخرى وهو على الأكتاف شهيدًا بأرض لا تعرفه عنه إلا الصوت والملامح..
أختنق بين أصوات القصف المرعبة، وأعمدة الدخان، وبين أصوات الرعد البرق التي أشاهدها الآن من إطلالة منزلي بعد رحلة التهجير..
أختنق بين ملامح الغرباء، وتجاعيد المسنين، وتنهيدة المتعبين، أختنق بين المنفى والتهجير، الغربة والحياة بلا مصير، أختنق بين دمعة المحزونين وبكاء الفاقدين، وحسرة المفقودين..
تخنقنا صور الماضي والحاضر، وخيالات المستقبل المجهول، تخنقنا ذكريات آذار وأصوات بُحّت وهي تنادي “أنا إنسان”..
تخنقنا رُفات الأحلام، وتصوّرات السنين التي عَبَرَت مسرعة خاطفة معها آمال شعب كان يحلم أن يعيش..
لكن عندما تضيع المعاني، تصبح الكلمات حبرًا على ورق.
عذراً التعليقات مغلقة