.. أجسادنا متراصة في حافلة صغيرة، يفصل بيننا عساكر بروائح نتنة، تصل مسامعي صرخات تتطاير في الهواء، بكاء لا ينقطع يتصل بأوردة القلب، ارتجاف أوصال تشاركناه أراه منعكسًا في كل الوجوه.. لا زلت أحتفظ بطيف أمل بالخلاص، تراودني فكرة انفجار إطار الحافلة، أو هجوم أخي الذي انشق عن جيش النظام مع صحبه منذ أن بدأت الثورة لاعتراض الحافلة وإنقاذنا..
– “لن يتمكنوا منا”
بقيت هذه العبارة تبث الأمان في أطرافي المرتعشة..
بعد زمن لا أعلم مداه توقفت الحافلة، جرّونا منها بالضرب والرّكل والشتائم، ارتصصنا بجانب بعضنا كأحجار فسيفساء تخاف الضياع، كنت أتشبث بآخر أمل، أريد معجزة لينتهي الأمر!!
مربع من المباني الشاهقة يبتلع ساحة نقف في منتصفها، نوافذه تحدق بنا بسخرية تامة، تلاشت كل الأصوات من حولي حين سمعت الضابط يقول:
– كل عسكري يأخذ فتاة ويتجه إلى غرفة!
سقطت دفعة واحدة كمن هوت عليها صخرة، بدؤوا بسحبنا وجرّنا.. صراخ وعويل وبكاء وضياع.. لا أحد لي.. لم ينفجر إطار الحافلة.. لم تنقلب.. لم يعترضنا أخي وصحبه.. لم تأت المعجزة.. لم يحدث شيء!!
أمسكني أحدهم؛ لم أستطع الصراخ.. ابتلع الخوف صوتي.. قلبي يضج بالعويل، صعدنا الدرج، في كل طابق كنت أرى العسكري والضحية.. شيء يشبه ما كنت أقرأ عنه.. خيوط دم.. ضربات.. شتائم.. صراخ.. أنين.. وصلنا إلى غرفة فارغة.. سحبني إلى الداخل وضرب الباب بحذائه.. يده دفعتني بكل قوة إلى الأرض.. وبدأ بالاقتراب..
لحظتها استيقظت!
عذراً التعليقات مغلقة