مخطئ ومتوهم بل منفصل عن الواقع كلياً من يظن ولو للحظة واحدة أن الثورة السورية ممكن أن تهزم أو تقزم في لجنة دستورية سقفها حصول بعض انتهازيي المعارضة على حقائب وزارية ضمن حكومة تشاركية مع رأس القتل والاجرام بالمنطقة والمتمثل بنظام الأسد.
فالثورة السورية لم تكن يوماً صنيعة حزب أو تيار معارض، إنما هي صوت شعب ثار على جلاده، فما كان من هذا الجلاد إلا أن أخرج الوحش القابع داخله وصب على شعبه شتى أنواع العذاب الجسدي والنفسي بل والمادي، فلم يترك وسيلة لوأدها إلا واستخدمها، لكن ولحسن حظنا وتعاسة وشقاء المجرم، فقد أضحت الثورة السورية مدرسة للأحرار في كل البلدان المحيطة بنا، فها نحن اليوم نرى علم الثورة السورية يزين ساحات التظاهر واعتصامات الأحرار على امتداد رقعة الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، من مصر أرض الكنانة، إلى العراق الحبيب، إلى جزائر المليون شهيد، إلى لبنان الأرز، بل وأصبح رموز ثورتنا مشاعل نور عالمية مثل بلبل الثورة وحارسها الشهيد عبد الباسط ساروت، حتى صار اسمه يقرن بالحرية شأنه شأن تشي غيفارا لأن الثورة نادت بقيم ومبادئ سامية كالحرية والعدالة والمساواة امتثالا لرغبة شعب أراد الخلاص من السفاح المجرم والانعتاق من نير الظلم الذي لفه الظالم حول رقبة الشعب لعقود من الزمن.
وحين انطلقت ثورة الكرامة كانت كطوفان حرية، فاض على من حوله من الشعوب وستستمر آخذة بالتقدم حتى تحقيق أهدافها رغم كل ما شابها أو قد يشوبها من شذوذ وانحرافات عن المسار في بعض حالاتها، وذلك بسبب جريانها الطويل وتلاعب قوى الظلام العالمية بها، فكان ذلك سبب استهدافها ومحاصرتها على أمل خنقها من قبل قوى الشر العالمية عبر خفافيشها بهدف إسقاطها أو تشويهها أمام الرأي العالمي.. لكن هيهات.
لقد اضحت الثورة السورية في عقل وفكر وقلب كل سوري حر، بل لدى كل انسان حر في هذا العالم الفسيح، فقد قدمت وما زالت تقدم قوافل الشهداء قرابيين للوصول إلى الهدف المنشود، ولم يكن أحد من ثوارها الأوائل ورموز التضحية فيها يطمح للوصول لمنصب أو سلطة مستقبلية، إنما خرجوا بهدف الوصول إلى وطن خال من الظلم، ولا صوت فيه يعلو على صوت القانون، ولا سلطة فوق سلطة الشعب، وهذا مازادنا ثقة بأنهم كلما حاولوا دفن هذه الثورة فأنها ستصبح أقوى وكلما حاولوا قطع أحد فروعها فإنها ستزهر من جديد وسينمو برعمها في مناطق لم يتوقع الشيطان الحاكم أن تخرج منها.
نعم.. إنها سنة الكون، بأن الحق هو المنتصر مهما كان للظالم من جولات بطش، وكتابة دستور للبلاد ليست بالقضية المعقدة، بل أعتقد أنها أسهل من تأليف كتاب في القانون، شرط الخلاص من الدولة الأمنية البوليسية، ومحاكمة المجرم السفاح، ونيله العقاب العادل عما اقترفت يداه من إجرام، لترتاح أرواح الشهداء وسائر ضحاياه.
فالدساتير لا تكتب في مرحلة الثورات، إنما بعد انتهائها، ولا تكتب في ظل استمرار السلطة المجرمة على عرش الحكم، لأن ذلك يعني اعترافاً ضمنياً من المحاورين بشرعية الاستبداد وجرائمه، لذلك لا بد من توجيه النصيحة لمن يشارك في مهزلة اللجنة الدستورية بحزم حقائبهم وعدم إرهاق أنفسهم في هذه المهزلة، فالكلمة الفصل في صناعة مستقبله هي للشعب الثائر، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تقرير مصيره، ولن يقبل بشرعنة نظام الإجرام ولو كلفه ذلك ملايين جديدة من قوافل الشهداء.
عذراً التعليقات مغلقة