عند كل استحقاق سياسي في البلد يخرج رئيس فرنسا ليشرح لشعبه مواقفه وسياساته نقطة نقطة وحالة حالة، ويرد على الانتقادات واستفسارات المعارضين والصحفيين. في الجلسات البرلمانية الأسبوعية أو اليومية يقف رئيس الوزراء والوزراء المعنيون ليردوا على الأسئلة والاستفسارات والانتقادات التي قد تكون في بعض الأحيان عنيفة.
في هذا البلد وفي الدول الديمقراطية عند كل انتخابات بلدية أو تشريعية يقوم المرشحون بحملات يقدمون فيها برنامجهم ومشروعهم ولهذا ينظمون مؤتمرات شعبية وحزبية وأيضاً يذهبون إلى الأسواق ليوزعوا المناشير وليتكلموا مع الناس ويقنعونهم بالتصويت لهم.
في سوريا نعيش في حالة انقطاع عن هذا الجو منذ أكثر من ستين سنة ووصلنا مع الدولة البعثية الطائفية إلى حالة انقطاع تام توجته المحرقة السورية وجرائم النظام التي عشناها.
السؤال هو عن تصرفات المعارضات التي ظهرت وبرزت بعد الثورة. حتى لو كانت المقارنة نسبية بمعنى أن الثورة تتسم حكماً بنوع من الفوضى والاسترجال والتيهان، بعكس الدول المستقرة، فإننا نستطيع تفهم حالة الفصائل الثورية الصغيرة وخاصة المقاتلة منها، لكن الزمن الطويل الذي مرَّ والتجمعات السياسية والمقاتلة الكبيرة التي تم تأسيسها تضطرنا إلى إخضاعها لمعايير ونظم.
ففي الداخل كل الفصائل الكبيرة التي سيطرت كانت ذات شكل إسلامي (أحرار الشام، جيش الإسلام، النصرة، داعش…) وقامت كلها باستخدام منهج كهنوتي ديني واحد يتفاوت في حدته لكنه يتميز بأنه أحادي الإتجاه يُلْزِم الناس بدون أخذ رأيهم أو إقناعهم. فكان الشرعيون وأمراء الفصائل يستمدون شرعيتهم من الدين، حسب وجهة نظرهم، ولم يجدوا ضرورة أو سبباً لإقناع الناس بصحة مواقفهم وبسياساتهم فقفزوا فوق الناس وآرائهم.
وفي أجهزة المعارضة السياسية الخارجية لم يكن الموضوع أفضل بكثير؛ أسباب عدة جعلت هذه المعارضة تقفز فوق الشعب وتتجاوز آراءه ومشاعره العامة، غياب حق التمثيل القانوني والشرعية التمثيلية المشكوك فيها والتبعية للدول الأجنبية وطريقة تعيين الأشخاص وغياب أدوات ووسائل المحاسبة، والعقلية النرجسية والفردية للقسم الأعظم من المشاركين، كل هذا ساهم في تغييب الدور الشعبي وتأثير الرأي العام (الثوري) في هذه الأجهزة.
كل شخصيات المعارضة لا تجد ضرورة في إقناع السوريين لا ليوافقوا على تواجدهم في موقع المسؤولية ولا على سياساتهم وقراراتهم. إنه نوع من الحصانة التامة التي تعفيهم من أية مساءلة بالمعنى العصري السياسي أو الشعبي أو بالمعنى القانوني والإداري.
بعض المعارضين كان يتقلد أعلى المسؤوليات في فترة حدوث أمور مريبة من الناحية السياسية أو من ناحية الفساد، ورغم هذا نراهم يتصدرون المنابر السياسية أو الإعلامية ولا شيء يدل على رحيلهم أو على محاسبتهم.
الغريب أن بعض الأسماء التي تمثل وجهاً علمانياً وديمقراطياً تم اتهامها مراراً بالفساد ولا نراها تخرج لمواجهة هذا والرد عليه ولا نرى شفافية ديمقراطية لافي تعيينها ولا في أدائها. شخصية تعلمت وكانت تعيش وتعمل في فرنسا وتم توجيه اتهامات لها في مواضيع مثل إصدار الجوازات ولا نراها تخرج وتتكلم بشفافية كان من المفترض أنها تعلمتها في فرنسا.
أسلوب آخر عجيب يتبعه فصيل سياسي وهو الغموض في انتساب بعض السياسيين لحزبه أو تبعيتهم له أو إنفصالهم عنه. لم أسمع أن هذا الحزب نظم مؤتمرات وجلسات لتعريف الناس بنفسه وببرنامجه ولإقناعهم بالعمل معه، وكأنه يعتبر هذا من المسلمات والبديهيات.
أن يتصرف معارضون استعلاءً وتجاوزاً لرأي السوريين، على أنهم قدرنا تمثيلا وممارسة وحصانة، هذا يذكرنا بمواقف الحكام المستبدين الذين ثرنا عليهم. اذهبوا إلى الناس وأقنعوهم، تواضعوا.
عذراً التعليقات مغلقة