عندما بدأ الربيع العربي في تونس، واستيقظ الشعب العربي أول مرة على أخبار تبدو للوهلة الأولى كالحلم، الرئيس التونسي هرب؟
لم يتابع الجمهور العربي العريض الاحتجاجات من بدايتها بشكل كامل ولذلك نزل عليه خبر هروب الرئيس كالصاعقة، وبدأ الشعب يتساءل هل هناك رئيس في دولنا يهرب حقاً؟ حتى امتلأت ساحة التحرير في مصر وبدأ الشعب العربي هنا يعد الدقائق والأيام وفي اليوم الثامن عشر ،عند تنحي مبارك، استنشق العرب جميعا هواء جديد يدعى (الأمل).
وعندما جاء دور ليبيا واليمن رفعوا مطالبهم من البداية إلى التغيير السياسي الكامل من دون أي تنازل، إلا أن السوريين كان سقف مطالبهم أبسط بكثير من إزاحة الأسد. هل كان يتوقع أحد أن السوريين في بداية حراكهم السلمي كانوا ينادون بهامش أكبر من الحرية كالهامش الذي يعيشه المصريون في عهد مبارك؟ كانوا سيقبلون بتغير بطيء جداً، ولكن مع عتق رقابهم من ضباط المخابرات الذين يلاحقونهم على الحرف والكلمة.
خرجوا يهتفون نصرة لـ ١٥ طفلاً عُذِّبوا واقتُلِعت أظافرهم لأنهم كتبوا عبارات ضد الأسد على جدران مدرستهم، وتلك الجماهير الغفيرة كلها كانت ستعود إلى منازلها لو أشعرهم رأس النظام أنهم مواطنون ولهم كرامة، لو كان أفرج عن الأطفال وجاء لمواساتهم ولو كذباً، لو أصدر مذكرة اعتقال بحق عاطف نجيب ولو كانت حبراً على ورق، لو عزله على مرأى الشعب الغاضب حتى لو كانوا سيقرؤون خبر ترقيته إلى مكان آخر بعد شهر، هل يتخيل أي مواطن عربي أن هذا كان حلم السوري في بداية ثورته؟
هل يظن المصري أو التونسي أو الجزائري أو السوداني أن السوري يمكن أن يعتصم أياماً وليالي طويلة في أكبر وأشهر الساحات في دمشق كما اعتصموا في تونس العاصمة والقاهرة والجزائر العاصمة والخرطوم وطرابلس وعدن؟
هل يتوقع أي مواطن عربي أن السوري يخطر على باله أن يجتمع أمام قيادات الحزب أو المراكز الحيوية في دمشق أو المدن الكبرى، ويرفع صوته بمطالب مثل تلك التي سمعناها في عواصم الدول العربية في الربيع الأول والربيع الثاني؟
وحتى لو تكرر الربيع العربي في الدول العربية جميعها من دون استثناء، لن يستطيع السوري قبل الثورة وفي أثناء الثورة وبعد أن عاد الأسد وسيطر على المدن أغلبها وفي المستقبل، أن يجتمع ويعتصم ويغني ويرقص ويرفع لافتة ويبني خيام اعتصام وتخرج امرأة وسط الحشود لتهتف مثل “الكنداكة” السودانية، وتتحول إلى أيقونة للحرية في وجود الأسد ونظامه وجيشه الطائفي وكل من يواليه.
هل عرفتم الأن لماذا خرج السوريون من الجوامع، ليس كما اتهمنا الشاعر السوري أدونيس الذي يحارب العالم ليحصد جائزة نوبل قائلاً إنه “لايؤيد ثورة خرجت من الجوامع”.
وهل نظامك السفاح الذي لاتعرف البشرية له مثيلاً، سمح لنا بالخروج من أي مكان آخر؟ عندما نستطيع فعل هذا وقتها يحق لك ولغيرك أن تتهموا ثورتنا أنها “دينية، إرهابية، إسلامية، أيّاً كان”.
يتابع السوري مشاهد فرح الجزائريين ورقص السودانيين ابتهاجاً بما حققوه، يراقب بفرح عظيم أن تجربتهم المريرة وتهديد رؤسائهم بتحويل دولهم إلى لنموذج السوري لم ينجح في إيقاف حركة التغيير، لم يزرع الشك في قلوبهم، لم يمنعهم من المطالبة بحقوقهم.
وفي الوقت ذاته يذرف قلب السوري دماً من الألم، يسأل نفسه لماذا نحن يفرقون مظاهراتنا برصاص القناص وقذائف المدافع؟ حتى عندما كنا نحمل لرجال الأمن باقات الورود تشق عنق حامل الورود في أقبية المخابرات، لماذا حاصرنا جيشنا بأسلحته الثقيلة كلها وأوصد شوارعنا بالدبابات وحول المساجد إلى ثكنات عسكرية، وفصل كل حارة في كل مدينة عن الأخرى كي لايجتمع اكثر من ٥٠ شخص يهتفون “حرية” فحسب؟
لماذا عندما أسقط ثوار درعا أول تمثال لحافظ الأسد في عام ٢٠١١ من أكثر من ١١عاماً، سقط عدد كبير من الشباب بين شهداء وجرحى برصاص القناصة، وهناك من بترت أرجلهم عندما سقط عليهم التمثال ورغم ذلك صرخوا فرحاً “حرية”.
هل يدرك المواطن العربي الذي يتهمنا اتهامات شتى بتخريب دولتنا وأننا المسؤولون عما نعيشه من تشريد ولجوء، أننا دفعنا حوالى مليون شهيد، ومثلهم مبتوري الأعضاء، ومئات آلاف من أفضل شباب سوريا، ماتوا تحت التعذيب بأبشع الطرق؟ وما زالت البقية الباقية تستنجد بالله صباحاً مساء طالبين الموت، حتى ينعتقوا من الوحوش البشرية التي تدير سجون الأسد و معتقلاته؟
هل يعلم السودانيون أننا كنا سنخرج إلى الساحات فرحاً لو جاءنا خبر الإفراج عن المعتقلين السياسيين كلهم في البلاد؟ وتوزع الحلويات ونرقص وندبك ويكون بالنسبة إلينا أكبر عيد وربما في يوم من الأيام نحوله إلى عيد وطني نحتفل به بشكل رسمي أهم من عيد الاستقلال.
هل يدري الجزائريون أننا كنا سنقبل ليس فقط بانقلاب الجيش على الأسد وعزله، بل كنا سنقبل بالضباط كلهم الذين سفكوا دمنا في السابق، بديلاً آنياً حتى نتحرر من هذه العائلة ونفصل سوريا العظيمة عن سوريا الأسد.
نعم لسنا طائفيين، نحن الذين خرجنا من الجوامع في تلك الأشهر الأولى كنا نهتف “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”، كنا صادقين كنا نريد الخلاص لم نكن نعلم بسبب حجم الظلم والديكتاتورية الممارسة على مجتمعنا أكثر من ٥٠ عاماً كيف نرسم مستقبلنا، ولكننا نريد أن نحاول، لم نكن نريد أن نُستغل ونقسّم إلى طوائف وقوميات، لم نكن نتوقع أننا سنعيش سواد داعش والنصرة والفصائل الإسلامية كلها، لم نحلم بالسلاح ولم يكن هدفنا، حتى عندما دعمنا الجيش الحر الذي انشق عن الجيش دعمناه لحمايتنا فحسب، ولم نتوقع أن يكون سبب حقيقي ينتظره الأسد ويخطط له حتى يحول سوريا إلى ركام في معارك جانبية ليست هدفنا ولا مبتغانا، نعم كنا ساذجين وبسطاء تماماً كما كان حلمنا بسيطاً منذ البداية؛ نيل بعض من “الحرية”.
عذراً التعليقات مغلقة