لم يكن يخطر في بالنا ونحن نلملم أشياءنا البسيطة، ونلقي نظرات الوداع الأخيرة على شتات الذكريات المنهكة، رضوخاً لقرارات دول، أننا نغادر وطناً إلى وطن، بل رحلة مؤقتة من الوطن وإليه، من بعض ربوعه إلى بعض ربوعه.
نحن لم نكن صفراً في دنيا الحصار، ولم نتسكع هناك في الزوايا والأرصفة، كانت لنا حياة من أمل وعمل وألم، وإن اعترتها مصاعب وعثرات، نتعلم ونعمل ونتوق إلى الفضيلة والتقوى بشغف وأمل.
اعتقدنا أننا نتشارك الهدف والغايات، كوننا قد خطونا ذات الخطا، نحن منكم وأنتم منا، فرفقاً بنا، نحتاج إلى فرصة للعمل والدفء والتعلم، نحتاج أن نقدم في الأرض الجديدة ما نعلم، وأن نتعلم ما لم نعلم، فنحن نعجبكم ولدينا كثير كثير من الأشياء الجميلة التي نرغب في أن نشارككم بها، فنحن لا نبغي مزاحمتكم أعمالكم أو مشاركتكم أرزاقكم، نريد أن نتشارك معكم وأن نمثل إضافة نافعة لكم وطاقة إيجابية في مجتمعكم، ونريد أن تعرفوا أن خروجنا من أرضنا هو ثمن البقاء في أرضكم، وأننا حرمنا من ربوعنا، لتأمن ربوعكم.
نحتاج منكم إلى ثقة واحترام وتواضع، فنحن نملك كثيراً مما يفيد، ومما يؤسس لمجتمع فاضل ومهذب ومؤمن، نحتاج إلى أن نعمل وأن نسكن وأن نعلم أبناءنا، فلدينا كثير مما ينفعكم كما لديكم كثير مما ينفعنا، فشاركونا ودعونا نعمل معكم ونبني معكم ونعيش معكم، فهذا قدرنا وعلينا جميعاً أن نتيقن من هذا وأن نعيه، وألا نضيع الوقت في التمايز بين الأصيل والطارئ.
نحن لدينا من الهموم ما يكفي، ولدينا كما لديكم من الأحلام الموءودة بضغينة عالمية وخذلان عربي وإسلامي، ما شكل صدمة لن نخرج منها قبل زمن وقبل أن يأذن القدر بفجر جديد، فدعونا نبقي للحياة معنى وللأمل شغفاً يليق بما أرقناه على ضفاف الحلم والأمل، ودائماً هناك فسحة لليقين ولو طال الزمن. وكما قال “نجيب الريس”: يا ظلام السجن خيم .. إننا نهوى الظلاما، ليس بعد الليل إلا .. فجر مجد يتسامى.
عذراً التعليقات مغلقة