في زمن الثورات والتحولات السياسية، وما يصاحبها من تغيرات أحياناً تكون دراماتيكية عنيفة في تركيبة الخريطة السياسية، غالباً ما تتعرض مؤسسات الدولة الرئيسة الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لبعض القصور أو حتى الخلل في أداء دورها.
ويتفاقم هذا الخلل لا سيما مع تغول السلطة الأولى على سواها من سلطات تحت ذريعة ظروف التحول السياسي، وحماية البلاد من أعداء الخارج والمتربصين بالنظام في الداخل، والتحوط من المؤامرات، والحفاظ على الاستقرار، فتلجأ إلى الحد من صلاحياتها وأدوارها واستقلالها، سواء عبر فرض قوانين استثنائية، أو فرض قيود عملية تعوق حركتها.
وفي مصر، ومنذ ثورة يناير، مروراً بـ 30 يونيو، وصولاً إلى الوقت الحالي، دار لغط كبير حول القضاء المصري وبعض أحكامه التي رأى البعض أنها تصطبغ بصبغة سياسية، ونعم، رغم أن القاضي يحكم بما يقدم له من أوراق وأحراز ووقائع وشهود وغيرها، وقد لا تكون دقيقة، لكن لا ينفي أي راصد ومتابع للشأن العام وجود هذه الصبغة في ظل الظروف السياسية الراهنة.
وفي المقابل، لاينكر منصف أن القضاء جاءت عديد من أحكامه الأخيرة متجردة وناقدة في مضمونها للسلطة التنفيذية، وكان أحدث حكم في هذا السياق، هو الحكم الخاص بأصحاب المعاشات.
وفي السياق ذاته، وفي تأكيد جديد على تقاليد النزاهة والعدالة، صدر مؤخراً حكم جديد يتصل بحرية التعبير والرأي، فقد أصدرت محكمة استئناف القاهرة حكماً نهائياً يقضي بإلزام ياسر رزق بصفته رئيس مجلس إدارة صحيفة الأخبار بتعويض قدره 100 ألف جنيه لمصلحة جمال سلطان رئيس تحرير صحيفة “المصريون” لما ناله من السب والقذف والتشهير من صحيفة الأخبار التي رفضت المحكمة كل ما تقدمت به من مبررات وذرائع.
ورمزية الحكم هنا مهمة،حيث أن المحكوم عليه من أكثر المقربين من هرم السلطة في البلاد، بينما المحكوم له لا يحظى بهذه المنزلة، بل على العكس ربما يكون من المغضوب عليهم من بعض الدوائر التنفيذية.
وإذا كنا نردد دوماً أن “الحكم عنوان الحقيقة”، فإن أساس هذا الحكم هو “العدالة العمياء” التي لا تنظر إلى قرب هذا من السلطة وبعد ذاك عنها، بل يصدر الحكم مجرداً عن الأهواء والحسابات.
وهذا الحكم يمنحنا الأمل في غد أفضل، تستعيد فيه مؤسسات الدولة دورها الحقيقي الذي يكفله لها الدستور والقانون، في فصل بين أدوارها، ومن دون أن تتغول إحداها على الأخرى بأي ذريعة تجاوزها الزمن.
Sorry Comments are closed