إن الخطوة التي قام بها ترامب قبل أيام بتوقيع قرار اعتراف أمريكا بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل لم تكن أول قراراته التي أحدثت زوبعة كبيرة وسط الأحداث التي تعصف بالمنطقة العربية، ومن الطبيعي أن تتعرض الدول العربية لهكذا أحداث لعدة أسباب أهمها: البيئة المناسبة لوقوع هذه الأحداث وخاصة الثورات العربية التي كانت الأمل الوحيد لهذه الشعوب لاسترداد حقوقها من حكامهم المصطنعين، والسبب الثاني وجود أصحاب المصلحة في الدخول إلى هذه البيئة للحصول على مبتغاهم.
ويمكن القول إن “إسرائيل” لم ولن تجد أداة دولية فعالة مثل ترامب يحقق لها ما تريد، والحقيقة أن ما ساعد على ذلك هو التركيبة النفسية والعقلية لترامب وتصرفاته التي تدل بشكل واضح على شخصية غير متزنة، وما يؤكد ذلك هو عدم اكتراثه بالقواعد والقوانين سواء الشخصية منها والدولية وضربها بعرض الحائط. وما لاحظناه خلال فترة حكم ترامب أن قراراته لا تدخل في مصلحة أمريكا مما يفترض إما وجود مؤثر قوي يفرض عليه ذلك أو عدم ثقته بالسياسة كوسيلة لتسيير الدولة ومصالحها. وفي كلتا الحالتين فإن ذلك يؤدي بأمريكا إلى مزيد من العزلة الدولية.
حتى الآن ما زال ترامب يتعامل مع من حوله من الأشخاص والدول كرجل أعمال ينظر إلى الوقائع كربح وخسارة، وما حققه حتى الآن ليس إلا عبارة عن انتصار إعلامي وليس سياسي هدفه التأثير في المعنويات سواء بشكل إيجابي أو سلبي واعتماده على المنصات الإعلامية كوسيلة لطرح قراراته قبل أن يتم صياغتها ينفي عنه صفة رئيس الدولة العظمى التي تحتاج قراراتها لمشاورات واجتماعات عدة، ولكن في حالة ترامب قد تأتيه الفكرة جاهزة عبر (اللوبي الصهيوني) ولا يشاور فيها إلا عقله، وحتى أن مستشاره السابق (بانون) قال: “إن ترامب لا يمكن أن يكمل فترة رئاسته بسبب حالته العقلية”.
ولو عدنا إلى القرارات الهامة التي اتخذها ترامب من نقل سفارة بلاده إلى القدس أو سحب جنوده من سوريا أو قراره الأخير بشأن الجولان؛ لا بد أن نتساءل من المستفيد من هذه القرارات؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ ولماذا ترامب بالذات؟ وهنا لا نغفل قيام إسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية بمحاولات لانتزاع اعتراف رسمي من باقي الدول بأحقيتها في هذه الأراضي التي اغتصبتها وخاصة بعد عام 1967 في الجولان وقطاع غزة لكنها كانت دائما تصطدم بالقوانين الدولية التي تحظر ضم الأراضي بالقوة، فضلاً عن جميع جلسات مجلس الأمن الذي عارض أعضاؤه بشكل كامل هذا الإجراء وفي مقدمتهم أمريكا، ومع أن قرار ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان ليس له أي أثر قانوني ولا قيمة له وسيبقى ذلك متعارضا مع قواعد النظام الدولي ولن يضفي عليه أية شرعية، فإنه يدفعنا للبحث عن الإجابة لماذا فعلها ترامب؟ وإذا ما عرفنا أن نتنياهو على موعد مع انتخابات في التاسع من نيسان القادم وهو بحاجة لدفع قوي يبرر تجديد انتخابه فإنه لن يجد فرصة مثالية كهذه لعرضها في سجل الخدمات المقدمة لإسرائيل، وتلميع صورته وهو المتهم بقضايا فساد، ثم إن الحال الذي وصلت إليه الدول العربية يشجع على هكذا خطوة فرد الفعل لن يتجاوز الاستنكار وربما يجده البعض كثيرا، فالشعوب تحاول الحصول على حقوقها والحكام مشغولون بقمع شعوبهم، الأمر الذي أحدث فراغا سياسيا ملأته إيران وروسيا وإسرائيل وأمريكا وتركيا وكل من هؤلاء يحاول الحصول على الحصة الأكبر، فتذرع إسرائيل بإبعاد الخطر الإيراني المتواجد على حدود الجولان والمتمثل بمليشيا حزب الله يدفعها للقيام بكل ذلك من أجل القول بأن إسرائيل “دولة آمنة”.
ساعد في ذلك صرف أنظار العرب إلى الخطر الإيراني واعتباره الخطر الأول بينما “إسرائيل” أصبحت خطراً من الدرجة الثانية لذلك فإن الأولوية هي لمواجهة إيران عدو أمريكا المفترض وهذا ما قد يدفع بعض الدول العربية لمباركة قرارات ترامب الفارغة مقابل دفعهم ثمن ذلك الذي لن يقف عند الثروات الضخمة التي وهبوها لترامب ولكن قد يصل إلى أغلى ما يملكون وهو كرامتهم.
عذراً التعليقات مغلقة