لا يحمل اعتراف “ترامب” بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل أي قيمة في القانون الدولي، لكنه سيحدث بلا تأثيرات عميقة في المنطقة برمتها؛ والمقارنة مع وعد بلفور الشهير لا يجب أن تكون من جهة أنه وعد من لا يملك لمن لا يستحق فحسب؛ بل بالنظر إلى نتائج وعد بلفور الكارثية في ظهور كيان إسرائيل بالفعل.
ومع اعتبار توقيع “ترامب” هدية مجانية لمحور ما يسمى بالمقاومة والممانعة في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي، كونه يدعم ادعاءاتهم في التعرض لمؤامرات خارجية؛ إلا أنه يفتح الباب أمام الرأي العام لاكتشاف حقيقة ما حصل في الجولان المحتل وما ينتظره من مصير.
يأتي قرار “ترامب” بالتزامن مع مشاكل داخلية أمريكية يعاني منها، بخصوص التحقيق في التدخل الروسي في حملته الانتخابية؛ التي وصلت إلى مرحلة متقدمة، بحيث باتت تهدد مستقبله الرئاسي بشكل جدي؛ وهو يحتاج إلى دعم منظمة “إيباك” اليهودية واسترضاء اللوبي الصهيوني في معركته الداخلية.
ويشكل توقيت قرار ترامب دعماً مباشراً لرئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” في حملته الانتخابية؛ كما أن تزامنه مع إعلان انتصار التحالف الدولي على تنظيم داعش يطرح تساؤلات مقلقة حول اتجاهات وهوية الصراعات القادمة على الأراضي السورية.
تأتي خطوة ترامب بخصوص “الجولان” في إطار تنفيذ وعوده الانتخابية، ومنها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ ويندرج ذلك ضمن ما بات يسمى “صفقة القرن” التي يقوم صهره “كوشنر” فيها بدور العراب.
ورغم عدم الكشف عن خفايا الصفقة المزعومة حتى الآن، إلا أنها تدور حول التطبيع مع إسرائيل وفرض سيادتها على المنطقة سياسياً واقتصادياً؛ الأمر الذي يتحول تدريجياً إلى حقيقة بالفعل، في ظل غياب موقف عربي رسمي فاعل في التصدي والمواجهة؛ لكن الأسوأ أن تساعد دول عربية على رأسها دول محور “السعودية- مصر- الإمارات” في تمرير الصفقة والترويج لها ودعم الثورات المضادة للربيع العربي، بذريعة مقاومة المشروع الإيراني في المنطقة.
يرتبط ضياع الجولان السوري بإعلان وزير الدفاع “حافظ الأسد” سقوط القنيطرة في حرب 1967، رغم عدم احتلال قوات إسرائيلية لها؛ ولم تنفع بعد ذلك بروباغاندا إعلام الأسد ولا وقائع حرب تشرين 1973 في تحسين صورة “الأسد” أمام الشعب السوري، الذي ما زال يتهمه بالخيانة ويحمله المسؤولية المباشرة عن ضياع “الجولان”، عن طريق صفقة مع “إسرائيل” مقابل توفير الحماية له، أو الحصول على مبالغ مالية كبيرة كما سربت صحف إسرائيلية مؤخراً.
وقد أكدت وقائع الثورة السورية بيع النظام الجولان والتخلي عنه لإسرائيل، ولم تنجح محاولات بعض المعارضين فتح قنوات تواصل مع إسرائيل في إقناعها بالتخلي عن النظام.
وقد وصلت مفاوضات نظام الأسد مع “إسرائيل” حول مصير “الجولان” إلى مراحل متقدمة؛ وقام النظام بالإعلان عما أطلق عليه “وديعة رابين” التي تعترف بالسيادة السورية على الجولان؛ لكن رفض نظام الأسد استعادة الجولان ما يزال سببه غامضاً، رغم وجود بعض الانتقاص للسيادة الوطنية بالفعل؛ لكن ذلك يبقى أفضل من التخلي عن كامل الجولان من دون توفر خيارات أخرى عسكرية أو سياسية تسمح باستعادته.
يثير إعلان “ترامب” القلق والمخاوف الحقيقية من أن يكون ذلك مقدمة لحروب جديدة، أو لتقسيم سوريا انسجاماً مع الواقع الميداني السائد؛ حيث تسعى قوات سوريا الديمقراطية بالفعل إلى التقسيم من خلال فرض الإدارة الذاتية، وإجراء انتخابات في مناطق نفوذها التي تقع تحت حماية التحالف الدولي، خاصة أنها تحظى بدعم قوي من محور “السعودية- الإمارات” في مواجهة مع الأتراك.
لا تستطيع “تركيا” بدورها التخلي عن مناطق سيطرتها من دون حماية مصالحها القومية، وتأمين حدودها الجنوبية من الميليشيات الكردية المرتبطة مع حزب العمال الكردستاني، التي تنتظر الفرصة المواتية للانطلاق نحو مناطق الإدارة الذاتية، وفرض منطقة آمنة فيها، كما أعلن الرئيس “أردوغان” بوضوح.
يشكل قرار “ترامب” طعنة جديدة للسوريين في خذلان المجتمع الدولي لثورتهم؛ لكن ذلك يحتم عليهم المزيد من الإصرار والتمسك بالثورة السورية، بعد أن تأكدوا أنها الطريق الوحيد للحصول على الحرية والكرامة.
عذراً التعليقات مغلقة