في الذكرى الثامنة لثورتنا: “الشعب السوري ما بينذل”

أمجد الساري15 مارس 2019آخر تحديث :
أمجد الساري

في مثل هذه الأيام وقبل ثماني سنوات، كان السوريون على موعد مع حلم راودهم عقوداً، حلم الخلاص من كابوس جثم على صدورهم سنوات؛ فبعد انطلاق موجة الربيع العربي وهبوب رياحه من تونس مروراً بمصر، لم ينتظر السوريون كثيراً حتى أطلقوا صرختهم الأولى في وجه نظام الأسد الديكتاتوري، ليكسروا بذلك حواجز الخوف، ويحطموا كل القيود، ويعلنوها ثورة سلمية ضد نظام استبدادي طائفي مجرم، حكم الشعب بالحديد والنار أربعة عقود.

“الشعب السوري ما بينذل” تلك كانت أولى الصرخات التي صدحت بها حناجر السوريين، هتفوا بها في وسط العاصمة دمشق من دون خوف أو تردد، رددها عشرات في مظاهرة حاشدة انطلقت في شارع الحميدية وسط العاصمة، احتجاجاً على اعتداء قوات الأمن على أحد تجار “الحريقة”. حاول نظام الأسد امتصاص غضب الشعب، وقام بإرسال وزير داخليته الذي أطل من سيارته وقال لجموع المتظاهرين “عيب يا شباب هي اسمها مظاهرة”، عبارة اختصرت طبيعة هذا النظام المجرم الذي كمم أفواه السوريين، ومنعهم من أبسط حقوقهم في الحرية، كانت تلك الحادثة أولى الإشارات التي تُنبئ بانتفاضةٍ قادمة وصرخات مدوية ستملأ الشوارع والميادين، وغضب شعبي سيرعب القتلة والجلادين.

لم يمضِ سوى أسابيع قليلة على حادثة الحريقة، حتى خَطَّ أطفال درعا على جدران مدارسهم العبارة الشهيرة “إجاك الدور يا دكتور”، ليجنَّ جنون النظام الديكتاتوري، ويعتقل عشرات الأطفال من مدارسهم، ويعذبهم بطرق وحشية، ويقتلع أظافرهم، رافضاً جميع الوساطات التي قام بها وجهاء مدينة درعا للإفراج عنهم، ولم يكتفِ بذلك بل أهان وفد الوجهاء، لتكون تلك الحادثة الشرارة الأولى للثورة السورية، وتنطلق أول مظاهرة في ساحة المسجد العمري في درعا بتاريخ الثامن عشر آذار/مارس 2011، تحت مسمى “جمعة الكرامة”، طالبت بالحرية والكرامة، لتنتقل المظاهرات السلمية بعدها إلى حمص ودمشق وديرالزور والمناطق السورية معظمها، وتعم المظاهرات السلمية أرجاء البلاد، مطالبة بإسقاط نظام الأسد، شارك فيها جميع أطياف الشعب السوري، والجميع كان يهتف بصوت واحد “الشعب السوري واحد”.

حاول نظام الأسد قمع الاحتجاجات بالوسائل كافة، فواجه المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي، ووصفهم “بالمندسين” و “الإرهابيين”، كانت مطالب الثورة في البداية مطالب سلمية بسيطة، ومع ذلك لم يستجب النظام لها، واختار مواجهة الشعب بالقوة، فبدأ بقتل المتظاهرين، وارتكاب المجازر بحق المدنيين الأبرياء، وبالرغم من فظاعة المجازر التي كان يرتكبها، إلا أنه لم يتمكن من إخماد الاحتجاجات، بل توسعت أكثر وشملت أكثر من 90% من مساحة البلاد، وعندما شعر النظام أنه بدأ يفقد السيطرة على البلاد، استعان بالميليشيات الإيرانية، وعندما فشلت في حمايته استعان بروسيا التي ما زالت تحمي نظامه حتى اليوم.

حاولوا شيطنة الثورة وربطها بالإرهاب، فصنعوا تنظيمات إرهابية وجعلوها تتغلغل في المناطق المحررة، لتقوم بالمهمات التي فشل نظام الأسد في تنفيذها، فبدأت بمحاربة الجيش السوري الحر، والسيطرة على الأراضي المحررة، والقيام بأعمال الخطف والاغتيالات بحق ناشطي الثورة الأوائل الذين بقوا محافظين على النهج الأول للثورة، فقدمت تلك التنظيمات أكبر خدمة لنظام الأسد وحلفائه.

اليوم الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة السورية، الثورة العظيمة التي استمرت ثماني سنوات رغم كل المآسي والانتكاسات التي تعرضت لها خلال السنوات الأخيرة، ورغم تآمر العالم أجمع عليها، نعم استمرت، فالثورات قد تمرض ولكنها لا تموت، والشعوب الحرة لا يمكن أن تقهر، ومن تنفس هواء الحرية لا يمكن أن يعود إلى الذل والعبودية، فالشعب السوري اختار مصيره، والنظام سقط مع أول صرخة أُطلقت في الثورة، سقط مع أول نقطة دم شهيد نزلت، ولو عادت الأيام إلى الوراء لقمنا بثورة ثانية وثالثة وعاشرة، في سبيل الخلاص من الطغيان والاستبداد.

ثمان سنوات مرت على انطلاقة الثورة السورية، الثورة اليتمية، الثورة التي خذلها الجميع، الثورة التي قدمت مليون شهيد، الثورة التي قدمت خيرة شبابها لتعيش أجيالنا القادمة في وطن حر كريم يحفظ كرامة أبنائه، أرادوا كسر إرادة السوريين، ومنعهم من نيل حريتهم وكرامتهم، وإرجاعهم إلى حظيرة الطاعة، فتركوهم يواجهون جميع أشكال الموت والقتل والتهجير على يد أقذر نظام عرفه التاريخ، ومع ذلك لم يتمكنوا من إثناء عزيمتهم، فالشعوب لا تُقهر، ولا تُهزم، والحق حتماً سينتصر على الباطل.

اليوم وبعد كل هذه السنوات ما زلنا مستمرين بما بدأناه، وما زلنا نأمل بأن تتحقق العدالة، ويتحقق حلم الشعب السوري بالخلاص من نظام الأسد المجرم، الذي قتل وهجر الملايين، سنمضي بثورتنا حتى يتحقق النصر، ويزول الظلم والطغيان، ولن نتوقف حتى نحاسب جميع القتلة، ونبني وطننا من جديد، وطناً حراً كريماً خالياً من المستبدين والظلاميين.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل