آذار والثورة المتجددة

محمود أبو المجد12 مارس 2019Last Update :
محمود أبو المجد

لم تأت جملة الربيع العربي عن عبث، فالربيع يبقى جميلاً ما لم يعبث بأزهاره العابثون كي تفقد الأشجار رونقها كما تفقد الثمار التي سيقطفها أصحاب الحق من الشعوب المضطهدة، وهذا ما حاولت القيام به أنظمة الفساد العربية التي لا هم لها سوى تخريب هذا الربيع لتبقى متربعة على عروش السلطة، وكان العبث بالثورات عبر أسلمتها وبث السموم فيها، ونشر أفكار تعاكس الهدف المرجو من هذه الثورات بإسقاط الأنظمة الشمولية.

فهل يمكن أن تتساقط زهور الربيع وألا تنتج ثماراً في النهاية؟ ظنت الأنظمة العربية، وعلى رأسها نظام الأسد، أنها تمكنت من النيل من الثورات وإعادة الشعب إلى حظيرة العبودية تحت مسمى المصالحات والتسويات في مناطق عدة، لكن يبدو أن فهمهم للمصالحات كان خاطئاً، كما يبدو أن شهر آذار سيكون هو الشهر الأجمل للسوريين، وبالفعل هو شهر الربيع المتجدد الذي يعيد إلى الثورة رونقها، وفيه يتجدد العهد بنفض غبار الذل ونبذ أفكار العبودية والإذلال التي يحاول النظام السوري إعادتها شيئاً فشيئاً في مناطق سيطرته، وما يحصل في درعا من رفض إعادة صنم العبودية ما هو إلا دليل على أن الشعب قد تحرر ولا يمكن أن يعود إلى هذا القفص، والقصد من إعادة تمثال حافظ الأسد هو إذلال الشعب الذي ثار يوماً على نظام الأسد، فلم يكن هذا التمثال في يوم من الأيام إلا رمزاً للتسلط وتذكير الشعب بعبوديتهم له.

هذا ما حاول نظام الأسد فعله في درعا البلد، ولم تأت هذه الخطوة عن عبث أو بالصدفة، إنما كانت مدروسة، فرمزية درعا على صعيد الثورة لا يمكن أن تنتسى بما أنها مهد الثورة وبداية شرارتها، لكن يبدو أن نظام الأسد سيبقى رمزاً للغباء، فكما كان عاطف نجيب وأطفال درعا سبباً في انطلاق الثورة، ستكون إعادة بناء هذا التمثال سبباً في إعادة إشعال فتيل الحرية الذي أصبح متجذراً في نفوس السوريين ممن ذاقوا طعم الحياة، فالثورة ليست عملاً يمكن أن ينتهي إنما هي فكرة، والفكرة لا تموت، ولعل اختيار نظام الأسد إعادة هذا التمثال في هذا الشهر لم يكن محض صدفة، بل هو مخطط له، فكما كان شهر آذار بداية انطلاق شرارة الثورة سيكون هو شهر إعادة النظام إلى سابق عهده حسب تخطيطهم، وحتى لا يستذكر السوريون بداية الثورة ويكون استذكاراً لبداية العبودية أيضاً.

هل ستتجدد الثورة في آذار؟ كما كان آذار شهر تحرر الشعب السوري وشهر ربيع ثورتهم، سيبقى كذلك ما دامت الحرية قد دخلت إلى قلوب أطفال سوريا ونسائها وشيبها وشبابها، ولا غرابة في تأخر تحقيق هدف الثورة بإسقاط النظام، فقد كانت الثورة ثورة كشف الحقائق ونبذ المتسلطين عليها، وتأخر تحقيق هدفها لم يكن عن عبث، ولو كان النصر مبكراً لكان نصراً ناقصاً لأن الدخلاء فيها سابقاً لا يختلفون كثيراً عن نظام الأسد، ولكانوا أعادوا تدوير النظام، وهاهي الشعوب الثائرة بحق قد ظهرت في مناطق المصالحات، فهي لم تقدر على الصمت كثيراً، وسكوتهم لم يكن سوى استراحة مقاتل بعد معركة طالت، وسيعود هذا المقاتل لإكمال معركة عزه وعز أبنائه من بعده، فالشعب السوري يعلم أن الثورة السورية لم تكن يوماً سوى ثورة كرامة، وأصحاب الكرامة لا يموتون.

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل