من يعرف النظام الذي صممه رئيس النظام السوري السابق “حافظ الأسد”، يعرف أن أسلوبه مبني على القيام بما يلزم، بما في ذلك الاستخدام المفرط للعنف، حتى لو بتكلفة سياسية عالية، لتحقيق أهدافه السياسية. بعد القضاء على الخصوم، يعود النظام إلى الساحة الدولية قارعاً الأبواب، محاولاً كسر العزلة وإقناع عواصم العالم بأهمية إعادة قطع ما اتصل، مثل إقناع واشنطن بأهمية دمشق في “الحرب على الإرهاب”، أو إقناع العواصم العربية بمحورية دمشق في الوقوف في وجه أطماع إيران الإقليمية، أو على الأقل التوسط لدى طهران لتفادي غضبها على خصومها العرب.
هذا كان في الماضي، يوم كان نظام الأسد يستند إلى استقرار داخلي حديدي، أما اليوم، فيعتقد المسؤولون الأميركيون أن “الحاجات الدولية والاقليمية” لخدمات الأسد ونظامه انتهت، وأنه يمكن لأميركا والعالم التعامل مع مشاكل الإرهاب وإيران، من دون الأسد، الذي بات هو الذي يحتاج إلى العالم لترميم نظامه والحفاظ على شكل الدولة التي يترأسها، في حدها الأدنى.
واشنطن، حسب المصادر الاميركية، متمسكة بأنه يمكن للأسد البقاء بسبب غياب البديل المتعذر لغياب التسوية، ولكنه لا يمكنه العودة إلى أي من الأدوار التي كان يلعبها في الماضي، ولا الخروج من عزلته الدبلوماسية، لا في الجامعة العربية، ولا في الأمم المتحدة، بل هو سيبقى نظاماً متهالكاً أكثر بكثير من نظام “صدام حسين” في عقد التسعينات، بعد حرب تحرير الكويت.
وتظهر كل التقارير الدولية مدى تهالك سوريا بقيادة الأسد، إذ حسب البنك الدولي، انخفضت واردات الحكومة من قرابة ربع الناتج المحلي في العام 2010 إلى أقل من ثلاثة في المئة، فضلاً عن خسارتها كل واردات النفط، الذي تسيطر على مناطقه القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة شرق نهر الفرات. وفي الفترة نفسها، خسرت الليرة السورية 459 في المئة من قيمتها، فيما انخفضت مساهمة القطاع السوري الخاص في الاقتصاد من 12 إلى 4 في المئة، في وقت تفرض وزارة الخزانة الأميركية والاتحاد الأوروبي عقوبات على 270 شخصية أعمال سورية مرتبطة بالأسد، في طليعتهم ابن خال الأسد، رامي مخلوف وسامر فوز ومحمد حمشو. وتشمل العقوبات الغربية 72 كياناً سورياً في قطاع المال والأعمال.
وتشير السورية الأميركية “جمانة قدور”، في مطالعة لها بالتعاون مع معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، إلى تقديرات منظمة “إسكوا” أن سوريا بحاجة إلى 400 مليار دولار لإعادة الإعمار، وأن 60 في المئة من هذه الأموال مطلوبة في القطاع السكني، خصوصاً إذا كان المطلوب عودة اللاجئين المقيمين في دول الجوار: لبنان وتركيا والأردن. وتقول إن المقربين من النظام باشروا ببناء مجمعات سكنية، لكنها بنايات فاخرة بسعر 3500 دولار للمتر الواحد، أي أن ثمن الشقة المؤلفة من ثلاث غرف نوم يبلغ أكثر من نصف مليون دولار، وهو مبلغ لا يتوافر لدى الغالبية العظمى من لاجئي الشتات السوري، المقدر عددهم بستة ملايين.
وتلفت قدور إلى عدد من قوانين الأسد الصادرة العام الماضي، والمثيرة للجدل، وفي طليعتها القانون الرقم 10، الذي يفرض على كل سوري وسورية تسجيل أملاكهم في دوائر الدولة في مهلة أقصاها عام، تحت طائلة خسارة حقوقهم في الملكية. يضاف إليه القانون الرقم 3، الذي يسمح للمحافظين بتدمير مساحات مبنية بلا موافقة أصحابها، وهذا إن اقترن مع المرسوم 63، الصادر في العام 2012 الذي يسمح بهدم أبنية من تصنفهم الحكومة السورية إرهابيين، يفتح الباب أمام استيلاء نظام الأسد على أملاك ملايين السوريين ممن يعتبرهم في صفوف المعارضين.
هي عملية يقوم بها الأسد في سوريا تشبه التطهير العرقي، حسب غالبية المسؤولين والخبراء الأميركيين، والمجتمع الدولي “يعي ذلك، ويرفض تمويل عملية نصب واحتيال يقوم بها النظام للاستيلاء على أملاك السوريين والإثراء على حسابهم فيما هم يسكنون الخيام في دول الشتات”.
وإلى العوائق المالية والقانونية التي تحظر أي تمويل دولي للأسد، ومع تراجع عائدات إيران بسبب العقوبات الأميركية وانعدام مقدرة روسيا على تمويل إعادة الإعمار، يمكن إضافة الرفض السياسي الأميركي والاوروبي “لإعادة تأهيل الأسد دولياً”، من قبيل اجماع أميركا وحلفائها العرب على الاستمرار في تعليق عضوية نظام الأسد في الجامعة العربية، التي يلتقي زعماؤها في قمة تونس في وقت لاحق من هذا الشهر.
يمكن أن يزور دمشق رئيس السودان “عمر حسن البشير”، ويمكن أن يزور الأسد طهران، “لكنها زيارات لا تعني أبداً أن أميركا وأوروبا وعواصم عربية ستمول إعادة إعمار سوريا وإثراء نظام الأسد، ولا هي ستفرج عنه سياسياً ما لم يتم التوصل إلى تسوية حسب تعريف الأمم المتحدة لها وموافقة المعارضين عليها”، تختم المصادر الأميركية.
Sorry Comments are closed