البيان الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين مؤخراً، جاء صادماً بمحتواه مثيراً للاستغراب والدهشة بعباراته وفحواه؛ حيث يناشد البيان الرئيس “أردوغان”، ويدعوه برجاء مثير للشفقة والرثاء إلى إدخال قوات تركية لاحتلال مناطق في الشمال السوري، بحجة إقامة منطقة آمنة فيها.
تفضح لهجة البيان وأسلوب الاستجداء فيه رؤيا طفولية ساذجة لدى الجماعة؛ كما تكشف خطط الجماعة ونواياها المبيتة للانفراد بحكم البلاد؛ ثم التحول نحو القبول بالسيطرة على أراض سورية وحكمها، حتى لو كان ذلك تحت وصاية أو حماية خارجية.
أصدر الإخوان بيانهم منفردين، من دون أن يشاركوا في ذلك هيئات المعارضة والثورة الأخرى، ولا حتى التشاور حول مضمونه وفحواه مع القوى الوطنية والثورية؛ وهذا يؤكد شكوكاً قديمة مستمرة حول سعيهم القديم إلى تحويل إمكانات الثورة لمصالح فئوية حزبية ضيقة تخصهم بالدرجة الأولى؛ وبات من الصعب عليهم الأن تجنب تلك الاتهامات الموجهة إليهم.
ينظر الإخوان إلى الرئيس “أردوغان” بشكل غريب، وكأنه أحد أعضاء جماعتهم، وهذا جعلهم يقعون في فخ إصدار بيان متهافت ناتج عن قناعة باستجابة أردوغان إلى طلبهم، من دون تردد، وربما على الفور؛ وفي الواقع أرادوا استغلال فرصة وجدوها سانحة بتقاطع طلبهم مع مصالح تركيا القومية، وسعيها الدؤوب إلى فرض منطقة آمنة في الشمال السوري؛ وقد اعتقدوا أن تقديم طرف سوري هكذا طلب سيمثل مسوغاً شرعياً لتركيا لاحتلال مناطق قوات سوريا الديمقراطية، التي أصبحت ضمن بازارات سياسية بين الأتراك والروس والأمريكان.
باتت الدولة السورية مقسمة إلى ثلاثة مقاطعات رئيسة، أو بالأحرى محميات؛ تقع الأولى في الوسط والغرب والجنوب تحت سيطرة نظام الأسد بحماية روسيا وإيران؛ بينما تخضع الثانية في الشمال الشرقي لقوات سورية الديمقراطية بإشراف ودعم أمريكي غربي مباشر؛ وتقسم المحمية الثالثة في الشمال الغربي إلى منطقتين؛ الأولى تحت وصاية تركية كاملة في مناطق “درع الفرات”، والثانية مناطق إدلب الخاضعة لتنظيمات تنسق مع الأتراك تحت ضمانتهم في اتفاقية “خفض التصعيد”.
لا يبرر للإخوان فعلتهم بالمقارنة مع ما فعله نظام الأسد في استدعاء روسيا وإيران أو تحالف قوات سوريا الديمقراطية مع أمريكا والغرب، وليس لهم حق التصرف ضد مبادئ الثورة السورية وأهدافها التي ترفض الوصاية والتبعية والاحتلال الخارجي.
وجه السذاجة في بيان الإخوان هو عدم فهم حقيقة الموقف التركي، رغم وضوحه الشديد وهو يدور حول تقديم المصالح التركية العليا على أي اعتبارات إنسانية أو دينية أخرى؛ ويظهر ذلك مع تناقض صريح في تصريحات الخطوط الحمراء الشهيرة، وما تلاها من سقوط حلب وغيرها من مناطق سوريا وتهجير أهلها؛ ومع ما يحصل حالياً من اعتداءات مستمرة في مناطق “خفض التصعيد”، وسط صمت تركي مطبق مع أنها يفترض أن تكون برعاية وضمانة تركية.
بعد استفراد الإخوان وهيمنتهم على هيئات ومؤسسات المعارضة؛ يأتي البيان ليؤكد من جديد الانتهازية والرؤية الاستراتيجية الضيقة المتسرعة لديهم؛ وسيدفع هذا الانكشاف الجديد إلى ارتدادات ضدهم من قوى الثورة السورية التي شعرت بطعنة مؤلمة في الظهر.
إضافة إلى ما ألحقه بيان الإخوان من ضربة لمصداقية المعارضة وإضعاف مواقفها الوطنية المستقلة، فهو يسيء إليها بإظهار ارتهان قرارها للخارج؛ لكنه سيكون بمثابة ضربة قاضية للجماعة فيما لو تأكد أنه جاء بإيعاز تركي مباشر.
أسوأ ما في البيان أنه يفتح الباب أمام مواجهات عسكرية جديدة دامية، سيكون السوريون وقودها، وستؤدي إلى مزيد من القتل والتدمير والتهجير، فهل يمتلك الإخوان دليلاً شرعياً لتبرير ذلك؟
والأغرب أنه لم تظهر حتى الأن مواقف من شخصيات وهيئات ومؤسسات الثورة والمعارضة حول بيان الإخوان، ولم يتضح سر الصمت والانتظار رغم خطورته.
عذراً التعليقات مغلقة