رغم كل التقلبات السياسية والدولية التي عصفت بالثورة السورية، لكن الشيء الثابت، الذي استمر طيلة ثمان سنوات من عمر الثورة السورية، هو العلاقة الوثيقة ما بين تركيا والحاضنة الشعبية للثورة السورية، ولو لم تكن هذه الثقة في أعلى مستوياتها لما ترك أهل الغوطة ودرعا وحمص ديارهم، و اختاروا الشمال منفى داخلياً لهم.
لقد خذلت أنظمة وحكومات العالم قاطبة الشعب السوري من أقصى اليمين في توجهاتها السياسية إلى أقصى اليسار، باستثناء تركيا التي اختارت الشعب السوري حليفاً لها بعيداً عن النظام.
رغم أن الموقف التركي لم يصل إلى مستوى طموح الشعب السوري، ولم يتناسب مع حجم مأساته ومعاناته من القتل والتدمير والتهجير والتجويع، لكن رغم ذلك فإن السوريين كانوا يجدون مبرراً للتقصير التركي، باعتبار أن تركيا مهددة ومستهدفة دولياً وإقليمياً ، وأن تركيا تحاول أن تساعد السورييين ضمن الأقصى المتاح لها.
من أجل ذلك ترك السوريون الأتراكَ يتكلمون باسمهم في “أستانا” و”سوتشي” رغم عدم قناعتهم بجدوى تلك المؤتمرات، ورغم أنها كانت تُعقد مع أعتى أعدائهم؛ الروس والإيرانيين.
في المقابل، فإن تركيا هي المستفيد الأكبر من هذه الحاضنة، التي هي الشريك الأقوى والأهم لتركيا، رغم أن ظاهر هذا الشريك لا يملك ترسانة عسكرية أو رصيداً اقتصادياً أو نفوذاً دولياً، لكن في ظل الظروف التي تعيشها تركيا، والتهديدات الدولية التي تستهدف استقرارها ووحدتها، فهي تعد حاضنتها الشعبية السورية صمام أمان هام، وبعداً استراتيجياً لا يمكن أن تحلم به أي دولة أخرى في ظروف تركيا.
ففي ظل التدافعات و التناقضات السياسية التي تعصف بالمنطقة، فليس للسوريين إلا الأتراك من بعد الله، وفي المقابل ليس للأتراك إلا السوريين من بعد الله؛ خاصة إذا عرفنا أن التحالف مع الشعوب أقوى وأكثر دواماً من أي تحالف مع الحكومات.
لكن تصاعد التوتر في الشمال المحرر في الأيام الأخيرة، يضع تركيا أمام امتحان فاصل وخطير مع حاضنتها الشعبية في سوريا، ومع تزايد حجم المجازر اليومية، بدأ السوريون يتململون من وجود النقاط التركية، ويشككون بمصداقية الموقف التركي، وبجدية التوافقات التركية الروسية.
و لعل خسارة أي شبر من الشمال المحرر اليوم لمصلحة النظام وميليشياته يشكل ضربة قاصمة لعمود الثقة بين السوريين والأتراك، فلماذا تركيا تقف صامتة من دون أي تحرك عملي، أو حتى على الأقل تصريح واضح مما يجري، وهل ستتنازل تركيا عن بعدها الديموغرافي الجيوسياسي هذا بهذه البساطة كلها؟
تركيا اليوم أمام استحقاق تاريخي، لا يقل عن استحقاق الانتخابات الرئاسية التي خاضتها قبل شهور عدة، فما هي فاعلة يا ترى؟
عذراً التعليقات مغلقة