نعم صاروا شهداء، عند ربهم يرزقون، حقيقة إيمانية ثابتة لا مراء فيها ولاشك، قتلهم جلاد لا يعرف للإنسانية التي يخاطبه بها الجهال من العباد والنساك معنى، ولا يفقه للأدمية التي يتكلم بها دعاة حقوق الإنسان صدقا أو كذبا حقيقة، نحن يا سادة قتلناهم بفرقتنا وتشرذمنا، قتلناهم بأهوائنا وطاغوت آرائنا، قتلناهم بالمناصب الزائلة، وشدة الحرص على الدنيا الفانية، لا أدري من ألعن وعلى من أحسبن، أعلى الجلاد المباشر أم على أصحاب الفهم السقيم والقلب العليل المريض؟!
منذ شهرين قلت بأعلى صوتي في تسجيل مباشر تحركوا قبل تنفيذ الإعدامات، وناديت أعضاء مجلس الشعب والشورى وكل القيادات، لكن الظاهر لا حياة لمن تنادي، الكل مشغول بنفسه وبعمله، الكل فقد الثقة في الكل، حياة صعبة أليمة مقيتة، ترى من العلماء من يعيش لذاته ومجده، فإذا جمع شيئا فلنفسه، وإذا أقيمت له مؤسسة فهو الأحق بها وأهلها، لا يشارك فيها من قد يدمر مستقبله الشخصي، واسمه الجلي، ورأيه اللدني، ألعن مثل هؤلاء العلماء الذين طفوا على السطح فى وسائل الإعلام كالرمم، وتنعق ألسنتهم بالشورى والمؤسسية وهم أكفر الناس بها، إذا اجتمعوا تفرقوا، وإذا افترقوا تنابذوا بالألقاب ويظهر كل واحدة سوأة أخيه، أليس هؤلاء العلماء المناكيد قتلة بتفرقهم وتشزمهم؟
قتلناهم بفكرنا الضحل، ورؤيتنا العمياء، وفقهنا للصراع على أنه سياسي، تعاملنا مع الجلاد على أنه من بني البشر، أو ممن حسن دينه وإسلامه لكنه ضل طريق الهداية السياسية، ألا يستحق هؤلاء اللعن والحسبنة قبل لعن القاضي الأثيم والمفتي اللعين، والأخرس البهيم؟!
قتلهم بعض السياسيين الذين روجوا لفكرة المتر المربع، كل في حاله، لا يشغل نفسه بأمر الشباب ولا العلماء الذين لم يجد بعضهم قوت يومه في الخارج، أكلوا وشربوا وتنعموا على دماء الشباب، لا تسمع لهم صوتا إلا في مخروبات الإعلام، وأبواق البيانات، والاستيلاء على المؤسسات التي لم تبن من كدهم أو عرقهم، ألا يلعن مثل هؤلاء ويحسبن عليهم لتركهم الميدان العملي إلى صيحات الميكروفونات، أهذه دعوة الإمام البنا، أم هذا خلق الإسلام؟
رأيت في تركيا العجب العجاب من طواغيت الرأي والهوى، من الشرعيين والسياسيين والإعلامين، ما أخذوه على غيرهم غرقوا فيه إلى آذانهم، بعد وإقصاء باسم المصلحة، وفلان بتكبر على فلان، وفلان مش قابل فلان، وبعد ذلك نتباكى أمام السفارات، ونتباهى بحسن الكلمات، ألا يستحق هؤلاء اللعن والحسبنة كالجلاد سواء بسواء؟!
إذا دعوت إلى الوحدة والأخوة فأنت متهم بحب التصدر، وإذا دعوت إلى الرؤية وحسن التخطيط وجمع الههم، فأنت متهم بالفذلكة على الغير، أو أنت محسوب على فكرة العنف والقتل، نفوس غليظة، وعقول مريضة، وقلوب ميتة، ألا يلعن مثل هؤلاء ويحسبن عليهم مثل المباشر لشرب دمائهم؟
كدت أفقد الثقة في أصحاب مالوا إلى تلميع أشخاصهم، والزهو بأنفسهم وتاريخهم، صيروا كل شيء لذواتهم، ومنعوا خير الله الذي وصل إلى أيديهم عن إخوانهم، بل بعضهم أغلق بابه عن رؤيتهم، واستكبر عن مجالستهم، واعتكف عن مقابلتهم، أهؤلاء إخوان أم إعداء، أهؤلاء صحاب أم ذئآب؟ ألا يستحق مثل هؤلاء اللعن؟ ألا لهؤلاء نصيب في القتل؟
رحماك ربنا بنا، فإننا خذلنا دعوتنا، وفجرنا في خصومتنا، وسهلنا للعدو قتلتا وإبادتنا، هل يرجى من هؤلاء نصرة لدين، أو قيامة جديدة لثورة؟ هم أحقر من ذلك وأقل، يحسنون الركوب بعد تضحيات الشباب، والكلام على أنهم آباء النجاح، لا تراهم إلا صرعى المناصب والكراسي، والمنظرة الكدابة، والفشخرة والأنفة الفارغة.
بعد كل هذه التضحيات من دماء الشهداء الشباب أصبح الحق لهم، والدعوة إليهم، والأمل فيهم، الغنم بالغرم، والقيادة بالمسؤلية، والزعامة تؤخذ بالعطاء، لا بالنوم على الفرش الممهدة، والشقق المفروشة اللينة، والاختفاء وراء التاريخ والأرصدة.
يا شباب المجد والعزة لا يغرنكم صلاح بعض الزهاد شكلا، والعقلاء اسما، والفضلاء لقبا، ما لم يعيشوا الدعوة اخرجوهم من حسابكم، وكبروا عليهم وصلوا عليهم صلاة الجنازة فهم من الأموات وإن انتفخت بطونهم، ومن الماضي وإن كثر الحمقى من أتباعهم.
الواجب الآن لم شمل الشباب الأبي الحر الثوري على رؤية واحدة، وهدف كبير واحد، الدعوة شبابية ولو كره الحمقى والخرقى والهدمى، لكن اعتزوا بأخوتكم، ولا تجعلوا للمناصب ولا لطاغوت الهوى والرأي سلطانا عليكم، لا تقعوا في مزالق غيركم، أنتم أرق قلوبا، وأجمل فهما، وأقوى حركة، وأسرع توبة وأوبة، أجركم على الله، ولينصرن الله من ينصره.
عذراً التعليقات مغلقة