الثورة وأوراق القوة المغفلة

زكي الدروبي22 فبراير 2019آخر تحديث :
الثورة وأوراق القوة المغفلة

يعتقد البعض تحت تأثير الضغوط المستمرة من قبل الدول الفاعلة أن الثورة في تراجع، وأننا نحتاج لمدة من الزمن كي يمكن لنا أن نستعيد زمام المبادرة، لذلك لا بأس من التخلي عن المسار الأممي وقرارات الأمم المتحدة مؤقتًا، ومراعاة الظروف المستجدة، ومسايرة الحل الروسي، ريثما تستجد ظروف أخرى تعطي الثورة عناصر قوة تفتقدها حاليًا.

بداية لا بأس من التذكير بأننا في ظروف صعبة جدًا، فالمعارضة مشتتة متفرقة، سواء بشقها السياسي أو الشعبي، والقوى العسكرية المحسوبة على الثورة ليست صاحبة قرار مستقل، والإرهاب والتطرف يسيطران على مساحة كبيرة من المحرر، وروسيا أحرزت تقدمًا بتفكيك الفصائل، وعودة بعض أمراء الحرب إلى حضن النظام، وتحولهم للقتال إلى جانبه، وتسعى جاهدة لإعادة اللاجئين في الركبان وفي لبنان إلى حظيرة النظام، ليكونوا وقوداً للمحرقة، ولتستثمر فيهم من أجل الحصول على أموال إعادة الإعمار وسرقتها.
لكن لا بأس أيضاً من التذكير بأن النظام لا يعيش أسعد أوقاته، فالتناقضات والصراعات بين الدول هي سيدة الموقف، فالصراع الخفي بين ايران وروسيا في سوريا – وهما الحليفان الرئيسيان لعصابة الأسد – يتفاقم يومًا إثر يوم، والخلافات بين الحلف الثلاثي التركي الإيراني الروسي لازالت مستمرة، ولم يتم الاتفاق لا على مصير إدلب ولا على مصير شرق الفرات، وتشهد مناطق النظام أسوء حالاتها، فلا اقتصاد ولا كرامة ولا ظروف معيشية مناسبة، فالفقر والبطالة بأعلى معدلاتها، والجريمة منتشرة، وعناصر النظام يتعاملون مع الناس دون أي حساب لكرامتهم، فأي عنصر من عناصر النظام يمكنه اعتقال وقتل من يريد دون محاسبة ومسائلة، والحرب بين محاور النظام نفسه مشتعلة، وكل فريق يحاول تسجيل نقاط على الفريق الآخر، ولا يوجد حد أدنى من ظروف المعيشة، فلا كهرباء ولا محروقات ولا غاز، والأسعار في ارتفاع كبير، والرواتب ضامرة جدًا والفقر كبير، وحالة التذمر منتشرة في أوساط الموالين للنظام، والذي لم يستطيع تقديم أي جديد سوى خروج رأس النظام بشار الأسد ليكرر كلامه الأجوف الغبي، حتى المسرحية التقليدية التي كان يقوم بها عبر تحميل من هم أدنى منه مسؤولية الذنب لم تنفذ، ولم يتم تغيير أي مسؤول أو محاسبته على تقصيره.

علينا أن نفرق بين المستسهلين المستسلمين للحل الروسي، إن كان توجههم هذا عمالة أم هبوط معنويات، فصاحب التوجه العميل لن تفيده كلماتي هذه، ولن تغير في موقفه شيء، فهو الذي خضع للعدو الروسي وهرول راكضاً لعنده، ونام مفترشاً الأرض في المطارات، إنما أتوجه بكلماتي هذه للوطنيين الذين استسلموا للضغوط، وخافوا على مصير الثورة، فهرولوا يبحثون عن أي حل ينقذ ما يمكن إنقاذه، ريثما يتم العمل على خطة استراتيجية بعيدة المدى تحقق أهداف الثورة.

لهؤلاء أقول اصبروا يا رفاق الثورة، فالوضع ليس بالميؤوس منه نهائياً، فهناك الشعب السوري الذي سيحيي مواقفكم، ويقف معكم ويسند ظهركم في رفض الحل الروسي، وهناك المئات من البيانات السياسية الخارجة عن أحزاب وكتل وتجمعات ثورية ترفض الحل الروسي، وتطالبكم بالعودة إلى القرارات الأممية مهما كان الثمن المدفوع.

إن التفكك الموجود بين قوى الثورة، وبعد الهيئات التي نصبت لتمثيلها عن الحاضنة الشعبية، وعدم وجود قوة عسكرية تتبع لها تدعم موقفها، أضعف الأخيرة، لهذا ترى أنها لا تملك أياً من أوراق القوة التي تسندها في التفاوض، وأنه لا يمكن التفريط بالمنجزات التي اكتسبتها الثورة – حسب وجهة نظرهم – من اعتراف دولي بالمؤسسات التي شكلت، ومن الصعب حاليًا الوصول لشيء جديد ينال هذه الاعترافات، لهذا فهم يسيرون بالمتاح حاليًا ريثما يستجد شيء جديد يساهم في إكساب الثورة أوراق قوة جديدة.

إن ما سبق من نقاط القوة يمكن أن نوجد لها حلول سريعة تنقذ موقفهم إن كان هناك إرادة وابتعاد عن الأنا، فتفكك القوى السياسية يمكن أن يتم تجاوزه من خلال غرفة مشتركة للحوار والتشاور بينها، وتكون بمبادرة من الائتلاف، تجمع القوى الوطنية الديمقراطية المؤمنة بوحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وبضرورة إسقاط نظام الاستبداد، والانتقال لنظام ديمقراطي يعتمد المواطنة المتساوية حيث الشعب هو مصدر السلطات ومصدر التشريع، وبعيدة عن التطرف ورافضة له، وتنطلق من موقف وطني بضرورة خروج جميع الغرباء من أراضي سوريا، سواء أكانوا دولاً أو تنظيمات أو أفراد، ويمكن القيام بأنشطة وأعمالاً مشتركة، وتراكم الحوار والأعمال المشتركة ينتج أرضية تفاهم قوية توصلهم إلى قيادة موحدة للعمل السياسي الثوري، أما ما يتعلق بالحاضنة الشعبية فهذا الموضوع شائك ويحتاج لجهد أكبر.

روى لي أحد كبار السن في حمص، أن وفد الكتلة الوطنية الذاهب إلى فرنسا للتفاوض حول استقلال سوريا أجرى جولات في المحافظات، والتقى بالناس فيها، وسمع منها، وعرض فكرته عليهم، ثم ذهب للتفاوض متحصنًا بعمق شعبي يدعمه، وهذا يتطلب من هيئة التفاوض بذل جهود كبرى في سبيل التواصل مع الشعب السوري في مخيمات النزوح وفي المهجر وفي كل مكان، لوضعه بصورة الوضع والاستماع من هذا الشعب فهو صاحب الرأي الفصل، ويمكن أن نشير لضرورة تشكيل نوع من المجلس الاستشاري أو القيادة الثورية التي تشرف على عمل هيئة التفاوض، وتتألف من ممثلين عن كافة الأحزاب والتجمعات السياسية الحقيقية الموجودة فعلاً /تنسيقيات وحركات وتنظيمات …/ ، وبهذا تكون الهيئة مدعومة في قراراتها المتخذة من عمق شعبي يساندها ويخفف عنها الضغوط، ولا ننسى في هذه العجالة ضرورة تنظيم الشباب السوري الموجود في المهجر، والاستفادة من جهودهم لأجل تشكيل لوبي يضغط على الحكومات المختلفة من خلال الحوارات مع السياسيين والشخصيات المؤثرة في تلك المجتمعات، ومن خلال وسائل الإعلام، سواء أكانت تقليدية كالصحف والتلفزيونات، أو غير تقليدية كوسائل التواصل الاجتماعي.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل