قرأ جمهور المعارضة المطعون في بطنه وظهره وكل أجزائه خبراً يفيد بقيام النقاط التركية بإضاءة مقارها حرصاً منها على أن يتمكن جيش النظام وهو أعمى البصر والبصيرة من تمييزها وتفادي استهدافها عن غير قصد أو ربما عن قصد، لذلك وحتى لا تعطيه فرصة إدعاء الخطأ فعلت ما فعلت وكأن الجيش التركي أخذ مهمة مراقبة موتنا ودمار بيوتنا، ليستخدمها أردوغان مادة في خطاباته الكثيرة، ويحكي للعالم عن حكايات الموت والدمار التي وثقتها عدسات جنوده واستخباراته بحرفية متناهية.
ما فائدة أي اتفاقات أو مسارات بين أطراف ضامنة لطرفين متحاربين إن أنتجت موتاً دائماً وهلاكاً في الحرث والنسل للضحية ذاتها ولطرف دون غيره، وهو الطرف الذي يمثله أحد الضامنين الذي يخترق طول البلاد المحررة وعرضها، مستعرضاً عضلاته ومجنزراته وطائراته وأعماله الخيرية، وترمي عليه الجموع المستضعفة الورود والرياحين على اعتبار أنه مخلصهم من ظلم وقهر قد استشرى في أرضهم وأحلامهم وفتك بكل بارقة أمل لهم في عيش من دون خوف، ناهيك عن أحلام الكرامة والحرية ودولة القانون التي قُتِلَت بتآمر دولي وعربي رأى في الحق والعدل والمساواة نقيضاً معاكساً ينبغي سحقه بأيدي عصابات المال ممن هم خلف المحيط وأمامه.
لم يطلع الجمهور العريض في “المحرر” على حيثيات الاتفاقات الموقعة بين الأطراف الضامنة بخصوص أمنه ومصيره، ولم يتَح له أن يفهم على وجه الدقة التزامات الأطراف المختلفة ودهاليز مكرهم وخداعهم وتبادل المصالح والأراضي فيما بينهم بواقع فرضه نفوذ كل منهم على الأطراف الداخلية بكل ضعفها وهوانها واستسلامها.
ما تحتاجه الجماهير المنكوبة والمشردة في داخل البلاد وخارجها هو “شخصية ما” تظهر لهم بشجاعة وصراحة وتخبرهم عن واقع الحال والمآل والثمن الذي عليهم أن يدفعوه من دمائهم ومستقبل أبنائهم حتى يرضى “العالم الحر” عنهم، ويأذن لهم بحياة ممكنة في حدها الأدنى، وكم يستغرق ذلك من وقت ويملي عليهم صكاً للاستسلام يوقعونه بدمائهم وأحلامهم المراقة على جنبات الوطن الجريح.
نفهم أنه نتيجة لاختلاف واقع النفوذ والقوة التي تملكها الأطراف الضامنة وقوة الأوراق التي يمتلكها كل طرف، قد ألزمت ضامننا العتيد بالتزامات قد لا تروق لأكثرنا عن ضرورة إنهاء وسحق ما يسمى “المجموعات الإرهابية” في الأرض المحررة، وهو ما لا يقوله الطرف التركي صراحة وبشكل علني، وارتضى لنفسه أن يتابع بأم عينه كيف تُقتل وتُدمر المدن والبلدات التي قال إنه التزم بتخليصها من الموت والدمار، ونشر وحدات من قواته على تخومها، ويجري تحت أنظاره تدميرها وتهجير أهلها، وكأن كل الذي يجري جزء من التفاهم والترتيب الذي وضعه الضامنون ليسقطوا ما في أيدينا ويقودوننا إلى انتظار اللكمة بعد الأخرى، ليقود ذلك إلى تفويض الضامن العتيد بأي حل يرتضيه، حتى إن أجحف بحقنا ومكتسبات أجيالنا.
ما ينبغي فعله وعلى وجه السرعة هو التواصل مع الجانب التركي وفهم جدوى وجود نقاطه العسكرية، وأن يفسر معنى الاعتداءات التي يقوم بها الطرف الآخر وتوضيح موقفه منها، وحقيقة الالتزامات التي قدمها لأعدائنا، التي تتيح لهم ممارسة طغيانهم وعنجهيتهم من دون رادع، وإن كان لا يستطيع وهو الطرف الأصيل في مسار أستانا واتفاقات “سوتشي” أن يقدم حماية لمن وكلوه ضامناً لهم، فليسحب نقاطه حتى لا يكون شاهداً أبكم وأصم، ويوصف بشاهد الزور الذي أنكر كل شيء.
عذراً التعليقات مغلقة