نوار الشبلي- حرية برس:
يصدر قريباً عن دار ميسلون للطباعة والنشر، كتاب “المسرح في حضرة العتمة”، للكاتب والمخرج السوري “غسان الجباعي”.
جاء الكتاب في 196 صفحة من القطع المتوسط، لم يعتمد فيها الكاتب أسلوب التقسيم والفهرسة، محاولاً أن يرصد أوضاع المسرح والمسرحين في ظل الاستبداد، لذلك جاء العنوان “المسرح في ظل العتمة”، ويتخلل الكتاب كثير من الصور النادرة والهامة.
وفي تصريح خاص لحرية برس، قال الجباعي: “رصدت عملياً في هذا الجزء من الكتاب نشأتي والمسرح في محافظة السويداء، الذي أعتبره تجربة فريدة في محافظة صغيرة وفقيرة عرفت المسرح في فترة امتدت من الستينات إلى منتصف السبعينات، وقدمت خلال ذلك إنجازات هائلة، حيث كان يوجد “نادي الفنون” الذي أُغلق في مطلع السبعينات”.
وأوضح “الجباعي” أن انحدار المسرح بدأ منذ ذلك الوقت، “بسبب كبت الحريات وسيادة الصوت الواحد وتقزيم الشخصيات الوطنية الثقافية الكبيرة، فهذا النظام عمل المستحيل لكي لا يعلو صوت فوق صوت الحزب القائد ونظام الحكم السائد”، معتبراً أن ذلك “كان وراء فشل التجربة المسرحية السورية على مر التاريخ، مثل مسرح ’أبو خليل القباني’ الذي قضى عليه الاستبداد، وسعد الله ونوس وتجربته المسرحية، التي تحدثت عنها بشكل مفصل في هذا الكتاب”.
وأضاف “الجباعي” أنه منذ تأسيس المسرح القومي، “كانت هناك مجموعة من الفرق المسرحية الحرة موجودة في دمشق وحلب ومدن مختلفة، جُمِعوا تحت عباءة الدولة ومن ثم تحت عباءة الحزب”، مشيراً إلى أن “المسرح لايستطيع أن يعيش في أجواء كهذه، خاصة إذا كانت مغلقة تماماً، فلم يكن هناك مجال لتأسيس فرق، فضلاً عن الرقابة الهائلة، وإبعاد الناس المهمين وتقريب الناس غير الموهوبين، وبالتالي كان المطلوب سيادة الانحدار، لا الثقافة والفكر والمسرح”.
ووفقاً للكاتب، “تخللت هذا الكتاب تجربة ذاتية شخصية، وهي مرحلة الهواة التي خضتها، وكثير من التنظيرات المسرحية التي تعيد النظر في مفاهيمنا عن المسرح وخصائصه، والمخرج ودوره، من هو الممثل، ما معنى النص وكيف يجب أن يكون، إضافة إلى السينوغرافيا والجمهور، وأشياء أخرى”.
وأعرب “الجباعي” من خلال كتابه عن رفضه “امتلاك المسرح دوراً عقائدياً أو دعائياً أو تبشيرياً”، منوهاً إلى أن “المسرح حامل للقيم الجميلة في حياتنا، ولا يحتاج لمن يدله عليها “.
ووجد أن “نظرية المسرح الثوري والطليعي والملتزم والحزبي، سقطت مفاهيمها فهي لاتدعم إلا الاستبداد ونظام الحكم القائم الذي يكون على رأسه طاغية تمجده وتمجد حزبه، وبالتالي فإن المسرح الدعائي هو مسرح سياسي بامتياز لمصلحة الحاكم والسلطة السائدة”.
وحول الجزء الثاني من الكتاب الذي سيصدر قريباً أيضاً، قال “الجباعي” إنه تحدث فيه عن مرحلة الدراسة، حيث درس في الاتحاد السوفييتي، أي “في ظل الاستبداد أيضاً، فحلل “هذه المرحلة تقنياً ومهنياً، وكيفية تعلم الإخراج والتجارب التي خاضها، حيث كان المنهج الوحيد المعتمد في البلاد هو (ستانسلافسكي) الذي يتجاوب مع الواقعية والواقعية الاشتراكية”، كما تعرض لمفهوم “الواقعية الاشتراكي”، وكيف يعلّمون الناس المباشرة والدعوية”، بالإضافة إلى أنه تحدث عن “المخرج المسرحي ’ماير هولد’ الذي أعدمه ستالين بتهمة الشكلانية”.
وختم “الجباعي” قائلاً إن الجزء الثاني من كتابه يتحدث عن تجربة المسرح في داخل المعتقل، حيث أنها “كانت تجربة فريدة ومميزة وأنموذجاً للمسرح في حضرة العتمة، هذه التجربة لم أشارك فيها وحدي، بل مع عدد كبير من الشباب والشابات، وضمّنت في الكتاب شهادات لهم عن تجربتهم المسرحية في داخل المعتقل،”.
وذكر أن هناك جزءاً ثالثاً سيتحدث فيه عن “تجربة المسرح بعد فترة التسعينات، و عن الفساد والوصولية وتشييء المسرح وتحويله إلى منبر للخطابة والتمجيد والرقابة”، مشيراً إلى أنه “يمكن أن تكون هناك تجارب شخصية من مسرحيات وغيرها، وتجارب زملاء آخرين من المخرجين مثل وليد القوتلي ونائلة الأطرش وفواز الساجر من الجيل الذي سبقنا، وما تلاه من تجارب كانت السلطة الثقافية في البلاد تدفع بأصحابها إلى الانحدار”.
وفي ختام حديثه، قال “الجباعي”: “أحببت أن أقدم هذه التجربة لتكون مثالاً وشرحاً للأجيال القادمة عن هذه المرحلة التي مررنا بها والظروف التي أحاطت بعملنا، وفي الوقت نفسه أعدت طرح الأسئلة والمفاهيم من جديد، فهذه المفاهيم الثقافية والمسرحية التي سادت سابقاً لم تعد صالحة، ودعمت ذلك بالتجربة والشواهد، متمنياً أن يكون ممتعاً ومفيداً للقراء، وهذا هو الهدف الأساسي”.
من الجدير بالذكر أن “الجباعي” عضو مجلس أمناء مركز “حرمون” للدراسات المعاصرة، وعضو هيئة تحرير صحيفة “جيرون” الإلكترونية، ويشغل منصب مدير القسم الثقافي.
هو مخرج مسرحي وكاتب درامي من مواليد 1952، درس في المعهد العالي للفنون المسرحية، ومعهد كاربينكا كاري الحكومي في مدينة كييف، وحصل عام 1981 على الماجيستير في الإخراج المسرحي.
أخرج غسان الجباعي للمسرح القومي في دمشق عدداً من المسرحيات، وصدرت له عن وزارة الثقافة في سوريا عدة مجموعات قصصية ومسرحية وشعرية، كما كتب للتلفزيون عدداً من الأعمال الدرامية والتاريخية الكبيرة، وكان قد اعتقل في نهاية عام 1982 حتى عام 1991، ومنع من التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية.
عذراً التعليقات مغلقة