“إن أي هجوم على إدلب يجب أن يأخذ في الاعتبار حماية المدنيين”. يالدقة العبارة، وأي إنسانية مطلقة فيها، ويالسذاجة الجماهير “الحرة” بعوامها ونخبها التي أبت إلا أن تؤكد جهلها وسطحية تفكيرها للمرة المليون.
عبارة أطلقها السيد أردوغان عقب قمة دول الوصاية الذين، بحكم الأمر الواقع والقوة الصرفة وتسيد الأطراف المتنازعة، قد نصّبوا أنفسهم أوصياء على الأرض الخاوية، التي رهن أهلها مصيرهم ومصير بلادهم لأغراب يسيسون ويقسمون ويقررون ويتبادلون الأرض والنفوذ والمصالح، من دون أي اعتبار لشراذم الأقوام المتصارعة على ضفتي الصراع.
كثيرة هي التحليلات والأمنيات والأوهام التي تراود الجمهور المكلوم، الذي يبحث عن أي بارقة أمل أو نافذة ضوء، عبر التمسك بالخيار الوحيد المتبقي والمتاح أمامه بملازمة الموقف التركي والبناء عليه وتبني مواقفه، وتوقع “المن والسلوى” اللذين لن يستطيع توفيرهما في هذه الظروف إلا اردوغان، وأردوغان فحسب، في ظل انسداد الأفق الداخلي والمواقف المتباينة والمتصارعة بين الأطراف المختلفة وحالة الوهن العام، لا في البقية المتبقية من الأرض المحررة وحسب، بل على مستوى الأمة برمتها.
ما ينبغي على الجماهير النضال من أجله، هو الاندماج مع الواقع وقراءته بشكل صحيح “فما نيل المطالب بالتمني”، والبحث عن نخب حقيقية من الداخل حصراً لوضع برنامج واقعي يعي دروس الماضي والحاضر ومصالح الدول المتدخلة في الشأن السوري وحدودها، وقبل كل شيء يعرف الإمكانات المتوفرة ونجاعتها، ومدى القدرة على تنفيذ الأهداف وتحقيق ما أمكن من أحلام الجماهير في الكرامة والعيش الكريم.
كما لا ينبغي التعويل كثيراً على الدور التركي، والتيقن من حقيقة أن الدول ليست مراكز خيرية لتوزيع المكاسب والهبات على الشعوب الأخرى، فالدول التي تخصص ميزانيات كبيرة من دخلها القومي ومن جيوب مواطنيها ستكون مسؤولة أمامهم عن جدوى التدخل ومدى الفائدة التي ستعود عليهم استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً.
كما أن طبيعة مجريات الأمور على الساحة السورية، وتعدد الأطراف الفاعلة فيها وتعدد الأدوات الداخلية التي تورطت ولم يعد ممكناً لها التراجع عما بدأته، يجعل التعويل على الآخرين صعب المنال نظراً لترتيبات كبيرة ومتعددة الأطراف، والحل الوحيد يكمن في الاعتماد على المتضررين فعلاً، ومن يمثلهم في تكوين رؤية واضحة وناضجة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الداخلية والاقليمية والدولية.
عذراً التعليقات مغلقة