لا يزال نظام بوتين يسير في خطته الهادفة لإعادة تأهيل نظام الأسد المجرم، فبعد سلسلة طويلة من الجرائم والمجازر الجماعية، وبعد سياسة الأرض المحروقة، واختراق الفصائل، وتحييد الجبهات عبر الهدن التي لم تلزمه فيما بعد بالعودة للجبهات التي تم تحييدها لتصفيتها، كما شهدنا في عدة مناطق كان آخرها في الجنوب، وبعد الإعلان الأمريكي عن انتهاء العمليات العسكرية “الأساسية” ضد تنظيم داعش الإرهابي، بدأ بوتين يروج أن الإرهاب في سوريا اندحر، متعمداً نسيان كل النشاط السلمي والثورة الحقيقية المطالبة بالانتقال إلى الدولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومظهراً الفصائل العسكرية الإسلامية المتفرقة المتقاتلة فيما بينها، التابعة للخارج والمنفذة لأوامره على أنها هي الثورة وقد انتصر عليها.
في وسائل الإعلام الروسية وحسب وصف أحد الأصدقاء، اختفت أخبار القصف والعمليات العسكرية من الماكينة الإعلامية الروسية، وحلت مكانها أخبار المصالحات وإعادة الإعمار، والمحاولات البوتينية لقبض ثمن ما دفعه في الحرب على الشعب السوري وقتله، عبر الضغط لإعادة اللاجئين السوريين، واستغلالهم في استقدام الأموال لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب البوتينية التي جرب فيها عدداً كبيراً من أسلحته على الشعب السوري حسبما صرح مسؤولوه العسكريون.
وبعد أن اختزل الحل السياسي كاملاً في لجنة دستورية وانتخابات، يتابع الإعلام الروسي ترويج الخطة الروسية لإعادة تأهيل نظام الأسد، هذا النظام التابع كلياً – كما هو حال الفصائل العسكرية – للخارج، مناسب جداً لمافيات الرأسمالية المتوحشة كي يبقى، ولن يجد الخارج خانعاً خاضعاً كما هو الآن بديلاً عنه، ولن يرضى باستبداله، فهو الذي شحن رأسه “بشار الأسد” بطائرة شحن عسكرية مثله مثل أي حيوان أو بضاعة إلى روسيا، دون أي مرافقة أو استقبال رسمي، وهو نفس الرأس الذي أمسكه ضابط روسي في مطار حميميم من يده ومنعه من مرافقة بوتين، حميميم التي أصبحت أرضاً روسية حسب معاهدات واتفاقيات وقعها النظام مع الدولة الروسية، استقبلت ضباطاً من الكيان الصهيوني لتنسيق الطلعات الجوية، هذه الطلعات التي تعربد في سماء سوريا وتقصف قوات الأسد والقوات الإيرانية دون أي رد فعل من نظام الأسد، رغم تزويده بأحدث الصواريخ المضادة للطيران حسب التصريحات الرسمية الروسية.
الحل الروسي الذي يعتمد على دستور وانتخابات، يلقى آذانا صاغية من قبل بعض العملاء الذين يروجون أن ليس في الإمكان أفضل مما كان، مع أننا نملك الكثير من أوراق القوة التي نسيناها، أو تناسيناها استسهالاً واستسلاماً للحل الروسي الذي يعيد إنتاج نظام الأسد.
بداية لا بد أن نؤكد أن المشكلة ليست في دستور غير محترم من قبل العسكر الذي استولى على الحكم في سوريا يوم 8 آذار 1963، وهم الذين أنتجوا نظام الأسد المخابراتي المجرم، الذي لم يحترم أي قانون أو دستور، بل المشكلة في نظام أمني مخابراتي مجرم اعتمد على الإجرام والعقلية المافيوية لتثبيت أركان حكمه، وهو لا يتورع عن فعل أي شيء وبحماية وغض نظر من قوى عالمية، بعد أن أقام علاقات تبعية مع قوى الرأسمالية العالمية المتوحشة التي حمت نظامه، وبقية الأنظمة العربية من التهاوي والسقوط أمام مطارق الشعوب المنادية بالحرية، فها هو رئيس يبول على نفسه يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية في الجزائر للدورة الخامسة على التوالي، وها هو السيسي الذي لا يستطيع تأليف جملة واحدة مترابطة مفهومة يسعى لتعديل الدستور كي يبقى فرعونا على مصر للأبد، رغم قتله لمواطنين أوروبيين في سجونه تحت التعذيب، … إلخ، الحال ليس أفضل في بقية الدول العربية، فهنالك موقف معادي لقضية الديمقراطية في منطقتنا لأن الحرية المعطاة لشعوب منطقتنا تؤثر على نهبهم لثروات بلادنا وعلى تفردهم بالتطور التكنولوجي.
الحل لا يأتي عبر انتخابات في ظل نظام أمني مخابراتي، يملك أجهزة مخابرات تعد أنفاس السوريين، ولا تتورع عن تنفيذ أقذر الأفعال، وما ملفات قيصر وتقارير منظمة العفو العالمية حول مسلخ سجن صيدنايا، إلا شواهد حية على جزء بسيط من إجرام العصابة الأسدية.
الحل يأتي حسب قرار مجلس الأمن 2245 لعام 2015 وهو الصيغة التنفيذية لبيان جنيف واحد لعام 2012 والذي يضع خطة زمنية وملفات فوق تفاوضية تعتبر مبادرات حسن نية، كما في إطلاق سراح المعتقلين وإيقاف القصف والعمليات العسكرية وفك الحصار، ويطالب بعودة اللاجئين إلى ديارهم بوجود ضمانات دولية، وحرية عمل سياسي، وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية تقود مرحلة انتقالية من نظام الاستبداد والإجرام إلى نظام ديمقراطي تعددي.
إننا مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى لحوار وطني جماعي حول سبل مقاومة الحل الروسي الذي يعيد إنتاج نظام العصابة الأسدية، وأن نستمر في النضال لأجل الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي مهما كانت الظروف والصعاب، فالنظام والروس يعولون على يأسنا وعدم قدرتنا على الاستمرار، ويجب ألّا نيأس وأن نصمد أمام كل الظروف.
عذراً التعليقات مغلقة