الإبداع السوري خارج الحدود

وليد أبو همام17 فبراير 2019آخر تحديث :
وليد أبو همام

السنوات القاسية التي عاشها الشعب السوري متحملاً فيها كل أشكال الألم التي يصعب على إنسان أن يتحملها دفعة واحدة، لكن كل ذلك لم يقف حجر عثرة أمام قدراته العقلية والجسدية، بل ربما نقول إن بعض الأفكار تحتاج إلى تحريض لتطفو على السطح وتتجسد في واقع ملموس مميز عن سائر الأعمال التي قد يقوم بها شخص عادي.

التحدي والإصرار قد يكونا أحد أهم الأسباب التي أيقظت رغبة التميز عند بعض السوريين، وخاصة الجيل الذي كان يجد في سياسة نظام الأسد حاجزاً يمنعه من التعبير عن أفكاره أو مشاركتها مهما كانت قيمة، لوجود قواعد ثابتة لدى نظام الأسد وهي أن التفكير العميق حكر على رجالات الدولة الموثوقين مهما كانت مستوياتهم العقلية التي تكشفت في مراحل الثورة، وأظهرت للعالم الصنف الذي يفضله كل من الأسدين الأب والابن في تشكيل الدائرة المحيطة بهما، فاعتمد الأسد الأب في تثبيت حكمه على إقصاء جميع الأشخاص الذين وجد فيهم أفكاراً تثير قلقه، واستبدلهم بأصحاب الرؤوس المغلقة والأفكار المبرمجة مسبقاً، وبذلك ضمن مملكته من الداخل، وتفرغ للحد من التفكير خارج الحدود المرسومة ضمن سياسته، وحتى لو غرد أحدهم خارج السرب فكان موظفو الأسد الموثوقون يتكفلون بجعل هذه الأفكار حبيسة الدروج، وبذلك يضمنون قتل الرغبة لدى هؤلاء المبدعين في متابعة تطوير أفكارهم وأعمالهم.

لم يقتصر الإبداع السوري قبل الثورة على مجال واحد، فقد كان هناك مبدعون في كل المجالات السياسية والصناعية والثقافية وغيرها، لكنها جميعاً كانت تواجه عراقيل وتعنت أصحاب القرار وتمسكهم بفكرة أن لهم الحق وحدهم بالظهور والشهرة، وهذا ما دفع البعض إلى ترك البلاد والبحث عمن يفتح له المجال لعرض إبداعاته.

ورغم أن التخلي عن المكان كان أصعب قرار يتخذه المواطن السوري، فقد كان مخيراً بين البقاء في حاضنة الأسد أو مقارعة المجهول، لكن كثيرين ممن لم يتخلوا عن أحلامهم في ترك بصمة مميزة في الحياة استطاعوا الوصول إلى أماكن تعنى بالفكر المتجدد المبدع، ففتحت لهم أبواباً لم تكن موجودة في موطنهم، وبدأ كثير من السوريين باحتلال مواقع الريادة في كثير من المجالات، رغم المنافسة الكبيرة وحجم المصاعب التي تواجههم ولا يكاد يخلو مجال أو منافسة في كثير من الدول لا تجد فيها سورياً متميزاً يتفوق على أصحاب المكان، مغيراً بذلك الفكرة السائدة عن اللاجئين أنهم غير قادرين على مجاراة مواطني الدولة، ومن جهة ثانية ظهرت للعلن طبقة (العباقرة) لدى الأسد، وبدأت المصائب تنهال على رأس النظام بفضل ما يصدر عنهم من تميز في الغباء والسطحية.

وإن كمية الإبداعات وتنوعها من لاجئين سوريين أثبتت للعالم أن الدولة وحكامها قد يكونون السبب الرئيس في الحد من التفكير، وأن هؤلاء لا تنقصهم القدرة على الإبداع، بل ينقصهم المكان والاهتمام، وهذا مالم يجدوه في مزرعة الأسد.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل