هل تغدو إدلب أضحية “المنطقة الآمنة”؟

جمعة الحمود14 فبراير 2019آخر تحديث :
هل تغدو إدلب أضحية “المنطقة الآمنة”؟

مع كل حدث سياسي أو عسكري جديد ضمن ساحة الصراع على الأرض السورية، يظهر حجم الخلاف والتباين بين مصالح القوى الدولية والاقليمية الفاعلة، خلاف بين الأعداء من جهة، وآخر بين الحلفاء من جهة ثانية، وكل تلك الأطراف “الدولية والاقليمية” تنظر الى كل فئة من مكونات الشعب السوري الذي انقسم على نفسه بين مؤيد ومعارض ومحايد -لم تتحالف معها وتتبنى نهجها- على أنها “مجموعة ارهابية “، تشكل خطراً على مصالحها وأمنها القومي، ويجب حصارها والتخلص منها بأي وسيلة.

وفي كل مرة تعقد الاجتماعات وتتم الصفقات بين القوى الدولية والإقليمية على حساب السوريين ومعاناتهم، ومشروع إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا_ الذي تطالب به أنقرة منذ عدة سنوات لتأمين عودة اللاجئين السوريين من تركيا وأوربا ودول الجوار، وحماية أمنها القومي من خلال القضاء على حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً لدى تركيا، الذي يسعى إلى إقامة كيان كردي على حدودها، عاد إلى الواجهة من جديد عندما طرحت الولايات المتحدة فكرة إنشاء منطقة عازلة على الحدود التركية لتبديد مخاوف أنقرة بعد انسحاب القوات الأمريكية المحتمل من سوريا.

فواشنطن التي تريد حماية حلفائها الأكراد، وطمأنة الأتراك في الوقت نفسه، اقترحت مسألة تشكيل ائتلاف مع حلفاء من الدول الغربية، بريطانيا وفرنسا واستراليا، يتولى مهمة إنشاء منطقة “عازلة”، بينما تقدم أمريكا الدعم الكامل على الصعيدين الاستخباراتي والاستطلاعي، فضلاً عن المساعدات التقنية والعسكرية واللوجستية، ويهدف هذا المقترح إلى حث حلفاء واشنطن على تحمّل المسؤولية في الشمال السوري، بغية تجنّب الآثار السلبية المحتملة للانسحاب الأمريكي من سوريا؛ لكن تركيا ترى فارقاً كبيراً بين المنطقة الآمنة التي تسعى إليها، وبين الطرح الأمريكي تحت مسمى “منطقة عازلة” لا تلبي طموحات أنقرة وتبدد مخاوفها.

وجاء ذلك في تصريح الرئيس التركي الذي قال: “نريد منطقة آمنة في سوريا وغيرنا يريدها عازلة”، في إشارة إلى المقترح الأميركي، مضيفاً أنه “لا يمكن ترك المنطقة العازلة في شمال شرق سوريا في يد قوات التحالف، فنحن لا نثق بهم بناء على تجارب سابقة”، فما يفهم من الطرح الأمريكي بخصوص تشكيل قوة ائتلاف غربي لإدارة المنطقة، سواء كانت التسمية منطقة “عازلة” أو “آمنة” أنه تحييد للدور التركي في منطقة شرقي الفرات التي تسيطر عليها أمريكا وحلفائها.

واشنطن تريد حماية حلفائها الأكراد اللذين يطالبون بمنطقة آمنة تحت رعاية ورقابة دولية ضد أي تدخل تركي، ويرفضون أي تواجد للاتراك فيه، وأي دور لأنقرة سيعتبرونه احتلالاً وستتم مواجهته، وروسيا ترفض فكرة المنطقة الآمنة وتضع اتفاق أضنة الأمني الموقع في سنة 1998 بين سوريا وتركيا على الطاولة، وتقول إنه الإطار الذي يحدد طبيعة العلاقة على الحدود السورية التركية، وتطالب بعودة إدلب الى سلطة الدولة السورية التي تسعى إلى استعادة ما تبقى من الأراضي السورية الواقعة خارج سيطرتها حتى الآن، ووفقاً للتصريحات والاشارات التي تطلقها دمشق وأنقرة، يستنتج أن تركيا وسوريا ستتفقان على إعادة تفعيل “اتفاق أضنة”، الذي بلا شك يتطلب إعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري، في وقت لا يخفي الرئيس التركي أن حكومة بلاده أبقت اتصالات على مستوى منخفض مع نظام الأسد عبر الأجهزة الأمنية رغم العداوة بين البلدين، معتبراً أن الزعماء لا يتواصلون لكن الأجهزة الأمنية تعمل بآلية تختلف عن آلية السياسيين.

استبقت موسكو القمة الثلاثية لزعماء حلف مسار أستانة، بتصريحات نارية تمهد لاطلاق عملية عسكرية في إدلب، حيث بحث مجلس الأمن القومي الروسي، بحضور الرئيس بوتين، الوضع في سوريا والخطوات التي سيتم اتخاذها، وتحدثت موسكو للمرة الأولى رسمياً عن إعدادها لعملية عسكرية منظمة وفعالة في إدلب، مشيرة إلى أنه لا يمكن السماح ببقاء “محميات إرهابية” في هذه المنطقة، وأكدت أن مناطق خفض التصعيد في سوريا كانت إجراء وتدبيراً مؤقتاً، وأنها غير راضية إزاء عدم تنفيذ أنقرة لكل التزاماتها بموجب اتفاق سوتشي.

تجلس تركيا الآن بين فكي واشنطن وموسكو وهي تُوازن بين عرضين، عرض أمريكي يتمثل بتشكيل قوة ائتلاف دولي من حلفاء واشنطن الغربيين أو العرب، يشرف على إنشاء وإدارة منطقة عازلة شرقي الفرات، وعرض روسي يتمثل بتطبيق اتفاق أضنة عام 1998 الموقع بين أنقرة ودمشق وتحاول تركيا المفاضلة بين العرضين من أجل الحصول على الأفضل لمصالحها، بحيث لا تغضب واشنطن التي تلوّح بتدمير الاقتصاد التركي أو تزعج موسكو وطهران التي تربطها بهما علاقات اقتصادية كبيرة.

فشلت أنقرة لغاية اليوم في الحصول على موافقة دولية من أجل اقامة المنطقة الأمنة التي تسعى اليها داخل الأراضي السورية مما يجعل المشهد في الشمال السوري يتداخل اكثر فأكثر، وهو قد يعني تغييراً في أولويات أنقرة -التي تحضّر لعملية جديدة شرقي الفرات ضد حزب العمال الكردستاني- يُحوّل إمساكها بإدلب إلى مجرد ورقة رابحة في التوصل إلى صفقة محتملة مع موسكو؛ ادلب مقابل الموافقة الروسية على منطقة أمنة تقيمها تركيا على الشريط الحدودي والحصول على نسخة معدّلة من اتفاق أضنة على حدودها المتصلة مع إدلب وريف حلب الشمالي أو بما يسمى “منطقة غربي الفرات” لضمان أمن تركيا من الإرهاب عبر الحدود.

أما منطقة شرقي الفرات فالقرار هناك لواشنطن التي تسيطر على المنطقة مع حلفائها الأكراد، والأيام المقبلة ستكون حاسمة للوصول إلى اتفاق نهائي بين واشنطن وأنقرة لتحديد دور المراقبين الأوربيين في المنطقة العازلة التي تضمن إبعاد الأحزاب الكردية الانفصالية عن الحدود مع تركيا، فيما الأخيرة تتهم واشنطن بمؤامرة ضد تركيا في سوريا، تخطط لها
مع دول أوربية وعربية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، السعودية، مصر، الأردن) في إشارة إلى البيان الذي صدر عن اجتماع وزراء خارجية تلك الدول في واشنطن مؤخراً، والذي اعتبر أنقرة “قوة تهدد استقرار المنطقة” وأن واشنطن شكلت في سوريا قوة جديدة مؤلفة من حلفائها الغربيين لتولي زمام الأمور في المنطقة العازلة المخطط إقامتها شرقي الفرات على الحدود مع تركيا.

أمام هذا المشهد المعقد والشائك، وعدم وجود مسوغات -قانونية أممية- تُشرّع التدخل العسكري التركي في سوريا
تعوّل أنقرة على إيجاد صيغة محورية للحل السياسي في سوريا بعد اتفاق مشترك بين القوتين العظمتين -أمريكا وروسيا- بناء على علاقتها مع الطرفين، وتعتبر أن هناك مؤشرات ايجابية من الدولتين، كما أعرب الرئيس التركي في تصريحات سابقة عن أن هدف تركيا هو ضمان أمنها القومي وتعزيزه، إلى جانب ضمان وحدة الأراضي السورية، ومثل هذا لن يحصل إلا من خلال صناعة مشهد أمني وسياسي يمهد لولادة حل شامل في سوريا.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل