الليرة السورية تواصل الانهيار والأسد يحتال للخروج من الأزمة

محللون: خروج المعارضة من محيط دمشق سبب هبوط الليرة

فريق التحرير10 فبراير 2019آخر تحديث :
خسرت الليرة السورية 1300% من قيمتها منذ 2011

محمد العبد الله- حرية برس:

تشهد الليرة السورية منذ مطلع الشهر الحالي تراجعاً ملحوظاً، بعد انخفاض قيمتها بشكلٍ واضح، رغم استعادة نظام الأسد معظم المناطق السورية وترويجه لعودة الحياة إلى طبيعتها، ما أثار استياء الموالين وزاد تساؤلاتهم عن سبب عودة هبوط الليرة السورية، وعجز نظام الأسد عن التحكم في سعر صرف الليرة.

وتراجعت الليرة السورية الأسبوع الماضي بشكلٍ كبيرٍ، ووصلت إلى حاجز 540 ليرة مقابل الدولار، ثم تحسّنت قليلاً وبلغت 500 ليرة سورية، لتعاود مجدداً الانخفاض وتصل الى 515 ليرة أمام الدولار.

تقدم عسكري وتراجع اقتصادي

ويرى الخبير الاقتصادي يونس الكريم، أن “هناك عدة عوامل ساهمت في تراجع قيمة الليرة السورية، ومنها استعادة نظام الأسد لمعظم مناطق المعارضة، خاصةً الغوطة ودرعا، أو المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، وهذا أثر  سلبياً لا إيجابياً على اقتصاد النظام، حيث تراجع حجم التحويلات المالية الداخلية، وبالتالي تراجع وارد البنك المركزي من القطع الأجنبي”.

وأضاف الكريم لحرية برس، أن “النظام كان يُعارض ضمنياً فترةٍ طويلةٍ السيطرة على الغوطة والمنطقة الجنوبية، لأن جميع الحوالات المالية التي كانت تصل إلى السكان في تلك المناطق، تصب في النهاية لدى البنك المركزي، عن طريق شراء السكان للسلع بأسعارٍ كبيرةٍ من مناطق النظام، فضلاً عن مصادرة الأخير السلع المقدمة من المنظمات، بحيث يحصل على احتياجاته منها ويترك ما تبقى لمناطق المعارضة، كما كان يحدث في الغوطة الشرقية خلال فترة الحصار”.

وأشار الكريم إلى أن “دعم الغوطة والمنطقة الجنوبية حتى 2014 حسب بعض التسريبات بــ 4 مليار دولار، صبّ أيضاً في مصلحة البنك المركزي، وبدا ذلك واضحاً من خلال التدخلات التي كان يجريها البنك في تلك الفترة، التي كان يعتمد من خلالها على الأموال المقدمة الى مناطق المعارضة”.

وتابع قائلاً أن “فرض العقوبات الأميركية والأوروبية أثّر على قيمة الليرة السورية، فالعقوبات الأميركية شملت قطاع النفط والطاقة، ما أضرّ بقطاع الصناعة، أما العقوبات الأوروبية فقد شملت قطاع الدواء والقطاعات المرتبطة بالصناعات الآزوتية، اضافةً إلى توقف عجلة الاقتصاد والصناعة، في ظل ندرة الدولار، ما يعيق استيراد مواد أولية للقيام بصناعات محلية”.

بدوره قال الباحث في الشأن الاقتصادي السوري الدكتور فراس شعبو: إن “الانتصار السياسي والعسكري الذي روّج له الأسد، انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي، فالصادرات تراجعت كثيراً، وهذا حرم النظام من الدولار، وفي الوقت نفسه لجأ الأسد إلى الاستيراد، ما زاد خسارته من القطع الأجنبي الذي يملكه، وهذا أثّر بشكل أساسي على قيمة الليرة السورية، وبات البنك المركزي عاجزاً عن ضبطها بعد أن فقد المقومات التي تساعده في التدخل”.

وأضاف شعبو لحرية برس، أن “نظام الأسد كان قبل سنوات يغطي 30% من مساحة سوريا فحسب، أما باقي المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة تتولى المنظمات الدولية تقديم الدعم لها، وبالتالي كان الأسد يقدم الخدمات إلى جزء من الأراضي السورية، أما اليوم بات مُطالباً بأن تغطي خدماته مساحات واسعة، وبذلك انكشف عجز النظام عن تأمين مستلزمات مختلف المناطق السورية، ما وضعه في موقف محرج أمام مواليه والمجتمع الدولي”.

فراس شعبو

وأشار شعبو الى أن “النظام فقد مقوماته الاقتصادية كالنفط والغاز والسلة الغذائية والقطاع السياحي، حتى المساعدات التي كانت تأتي من روسيا وإيران تراجعت بعد انخفاض سعر النفط عالمياً، حيث تأثرت الدول الداعمة للأسد بشكل كبير، فاضطر النظام إلى الاعتماد على مصادر أخرى لتأمين الدخل، وهذا زاد في انخفاض الليرة، فضلاً عن التحضير لعقوبات أميركية على نظام الأسد، من خلال قانون قد يوقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد أن أقره مجلسا الشيوخ والنواب الأميركيين”.

حيل الأسد المكشوفة

وفي ظل تراجع قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، لجأ الأسد إلى بعض الحيل لإنقاذ الليرة، وقال فراس شعبو: إنه “في ضوء الواقع الاقتصادي المتدهور، عمد النظام إلى طرق عدة لدعم اقتصاده المنهار، منها استبدال بعض رجال الأعمال السوريين أصحاب الباع الطويل في السوق السورية، والتركيز على أسماء جديدة مثل “سامر فوز” و”محمد القاطرجي” و”أنس قطان”، الذين يعتمد عليهم النظام لتأمين القطع الأجنبي من خلال تحايلهم على العقوبات الاقتصادية”.

وأضاف فراس أن “النظام يعتمد على المخدرات والدعارة لتأمين مصدر دخل، وتدار تلك العمليات عبر شخصيات سياسية واقتصادية مرتبطة بالأسد، ففي الفترة الماضية كُشفت شبكة دعارة كبيرة تديرها شخصية مقربة من النظام، فضلاً عن الترويج للمخدرات بالتعاون مع حزب الله”.

بدوره قال يونس الكريم: إن “هناك تعقيدات في عملية تحويل الأموال من السوريين الموجودين في مختلف دول اللجوء، نتيجة ارتفاع تكلفة الحوالات من 5% الى 10%، كما أن البنك المركزي سعى إلى تثبيت سعر الصرف كي يستفيد من الحوالات المالية بأكبر قدر ممكن، بسبب نقص احتياطي البنك المركزي من القطع الأجنبي، الذي بلغ 700 مليون دولار في عام 2017″.

وأفاد الكريم أن”الاحتياط لدى حكومة النظام لا يكفي سوى 3 أشهر، وبات يخصص الأموال الموجودة في حوزته لسد الفجوات والأزمات التي يواجهها، كأزمة الغاز مؤخراً، ومع ذلك لم تحل تلك الأزمات، لذلك يتجه النظام إلى حلول أخرى كتقليل حجم ربطة الخبز وكمية الغاز ضمن الاسطوانات”.

الخاسر الوحيد هو المواطن

وعن أثر انخفاض الليرة السورية على المواطنين، قال فراس شعبو: إن “انخفاض الليرة سيؤثر على المواطن السوري بشكل كبير، فأغلب التجار سيحتكرون السلع ريثما يستقر سعر الصرف، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع في ظل ندرتها في الأسواق وزيادة الطلب عليها، ففي الأيام الماضية توقفت عملية البيع في سوق الهال في مدينة حلب”.

وأوضح شعبو أن “تأثير انخفاض الليرة أكبر في مناطق النظام مقارنةً بمناطق المعارضة، كون كثير من المناطق في الشمال السوري المحرر باتت تعتمد على الدولار، فضلاً عن اعتماد البعض في مناطق درع الفرات على الليرة التركية”، مضيفاً أن “الليرة السورية ستنهار بمجرد إعلان الأسد بدء إعادة الاعمار بشكل فعلي”.

في حين قال يونس الكريم: إن “روسيا امتنعت عن طباعة عملة جديدة للنظام السوري، فبات لدى الأخير نقص في العملة السورية المطبوعة والدولار، لذلك سعى البنك المركزي إلى ضبط سعر الصرف بأدنى رقم ممكن، حتى أصبح الفارق في سعر الصرف بين البنك وسعره في السوق السوداء يصل الى 100 ليرة سورية، حتى أن المواطنين باتوا بحاجة إلى الحصول على إذن لسحب أرصدتهم من البنك المركزي”.

وأوضح الكريم أن “إجبار اللاجئين في دول الجوار على العودة إلى سوريا، كان سبباً في زيادة الطلب على السلع في ظل عدم قدرة النظام على تأمين سلع كافية، وهذا سبّب زيادة في سعر السلع وعدم توفرها لكل الناس”، مشيراً إلى أنه “في حال تحسن سعر الليرة السورية فلن تنخفض أسعار السلع لأن التجار وأصحاب المحلات سيدّعون أنهم اشتروا السلع حين كان سعر صرف الدولار مرتفعاً”.

ويرى الكريم أن “عودة الليرة السورية كما كانت قبل بدء الثورة يتطلب عوامل عدة، أبرزها توقف الحرب نهائياً، وأن تكون الدولة ذات سيادة لا يرتبط مصيرها بقرار دول أخرى كروسيا وايران، وبالتالي فإن الوضع في سوريا يحتاج إلى حكومة انتقالية وحكومة إعمار وحكومة استقرار، عندها يمكن أن تتحسن قيمة الليرة السورية، أما الإجراءات الروتينية التي تُتّخذ حالياً لدعم الليرة، أو أي دعم يأتي من باقي الدول لن يكون كفيلاً بإعادة الليرة إلى سابق عهدها”.

وتوقع يونس أنه “مع ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة السورية، سيلجأ النظام إلى رفع قيمة الضرائب المفروضة على المواطنين، ورفع الدعم الجزئي عن بعض السلع الأساسية، وهذا سوف يُسبّب عبئاً إضافياً على الناس، وانخفاضاً في القدرة الشرائية لليرة نتيجة ارتفاع أسعار السلع، ما يؤدي الى انتشار الفقر”.

ولفت إلى أن “تأثير انخفاض الليرة السورية أيضاً يطال السكان في مناطق المعارضة حيث ما تزال هناك سلع تأتي من مناطق النظام، وهناك سلع كثيرة تأتي من الجانب التركي، لكن في حال قرر الأخير اغلاق الحدود لسبب ما، فإن ذلك يجعل معاناة السكان في مناطق المعارضة مشابهةً تماماً لحال من هم في مناطق النظام”.

“شهادات الإيداع” حل شكلي لإنقاذ الليرة

أعلن “مصرف سورية المركزي” التابع للنظام، الأسبوع الماضي، إصدار شهادات إيداع بالليرة السورية لأول مرة في تاريخه بقيمة اسمية للشهادة 100 مليون ليرة سورية، وسعر فائدة 4.5 بالمئة سيتم على أساسه احتساب القيمة بعد الخصم وبأجل مدة عام.

وسعى النظام إلى تشجيع الناس على إيداع أموالهم في البنوك، ما يشير إلى أنه يسعى إلى تحقيق مكاسب من شهادات الإيداع تلك، وأوضحت صحيفة “تشرين” التابعة للنظام، أن تلك الشهادات ستساهم في تحسين إدارة السياسة النقدية للمصرف المركزي، عبر إتاحة أدوات جديدة على صعيد إدارة السيولة، إضافةً إلى جذب شريحة واسعة من المدخرين إلى القطاع المصرفي.

وقال يونس الكريم: إن “شهادات الايداع شكل من أشكال تحسين الليرة السورية في الظاهر، لكنها فعلياً لا تساهم في ذلك، فليس هناك أسواق مالية مفتوحة في سوريا كي تكون شهادات الإيداع أداة في تحسين سعر الصرف، وإنما هي نوع من أنواع الخصخصة، أي تسليم مؤسسات الدولة إلى القطاع الخاص، وبذلك يصبح المالكون متحكمين بسياسات البنك المركزي، وبالتالي يتحكمون بالسياسة النقدية السورية، وهذا مؤشر خطير في الفترة القادمة”.

في حين قال الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري، ملهم جزماتي: إن “غرض النظام من إصدار شهادات الإيداع، هو سحب الكتلة النقدية الفائضة في السوق، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض كمية العملة المحلية في السوق السوري، وبالتالي زيادة قيمتها بالنسبة إلى العملات الأجنبية، كما أنها توفّر للنظام مزيداً من السيولة النقدية، ما يعزز من وضعه الاقتصادي”.

وأضاف جزماتي لحرية برس، أن “المواطن هو الخاسر الوحيد في حال قام بشراء شهادات الإيداع، وخصوصاً أن سعر الليرة السورية غير مستقر أبداً، ولا يمكن التكهن بالأسعار المستقبلية لهذه العملة، لذلك فإن قيمة هذه الشهادات ستصبح أقل بكثير مع مرور الوقت، كما أن قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية ستنخفض بمعدل أكبر من قيمة الفائدة”.

وتابع جزماتي قائلاً: “لو قام المواطن عام 2012 بشراء شهادات إيداع بقيمة مليون ليرة سورية، بفائدة مقدارها 2 % سنوياً، ومدة الشهادة 5 سنوات، سيكون ربحه 20 ألف ليرة سنوياً، أي 100 ألف ليرة خلال السنوات الخمس، ما يعادل 10% من قيمة الاستثمار، ولكن إذا نظرت إلى قيمة المبلغ بعد خمس سنوات، وقارنته بأسعار الدولار، ستجد أن قيمته انخفضت أكثر من 300 %”.

وشهادات الإيداع سندات يصدرها “البنك المركزي” لقاء مبلغ يتلقاه من عميله، ويتعهد البنك عند إصدارها بدفع أصل المبلغ عند استحقاقها، كما يتعهد بدفع الفوائد المترتبة على المبلغ المودع، بحسب برنامج معين يُتفق عليه، ويمكن أن يختلف بين إصدار وآخر (مثلاً تُدفع الفائدة سلفاً، أو كل ثلاثة أشهر، أو عند الاستحقاق، إلخ).

ويوقّع البنك عقداً خطياً مع المودع قبل تسليمه شهادة الإيداع، على أن يذكر فيه المبلغ الذي تسلّمه البنك، وتاريخ الاستحقاق المتفق عليه، ومعدل الفائدة وطريقة احتسابها، وكيفية دفعها، ومكان تسديدها، ورقم الشهادات المتسلسل.

وتعتبر شهادة الإيداع بمثابة دين مستحق على الجهة المصدرة لها، وواجبة الدفع في نهاية المدة العقدية مع العميل، ويستوجب على البنك الصادرة عنه دفعها كاملةً، بالإضافة إلى الفوائد المترتبة عليها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل