المتابع لنهائيات كأس آسيا الأخيرة التي أقيمت في أبو ظبي، والأحداث التي رافقت المشاركة القطرية فيها، يلحظ مدى الانحطاط الفكري والمعرفي والأخلاقي لدى الطبقات الحاكمة في البلاد العربية، وطبيعة تفكيرها السطحي والساذج، وشواغلها الحقيقية التي ليس من بينها النهوض في البنيتين التحتية والفوقية، وقبل كل شيء الأخلاقية، والعمل بخطا عاقلة ورشيدة للارتقاء بالمستوى العلمي والمعرفي لشعوبهم، واستحضار كافة الوسائل الممكنة لتنمية شاملة ومستدامة وبناء وعي جماهيري يكون في أولى أولوياته البحث في الهوية الحضارية والرسالة الإنسانية الموءودة في هذه المنطقة بإرادة أعداء الأمة الحقيقيين خلف المحيط، وأدواتهم الوطنية والإقليمية، خصوصاً مع توافر الإمكانات المادية الهائلة الضرورية للنهضة والتنمية.
لم يكن الخلاف بين قطر والدول العربية الأربع التي تنادت إلى فرض الحصار عليها خلافاً منطقياً فرضته دواعي المصلحة العربية وشذوذ قطر، تلك الدولة المتناهية في الصغر، عن القواعد الأساسية للعمل العربي المشترك والتأثير في العمق الاستراتيجي المفقود والميت منذ عشرات السنين، ولا رغبة من تلك الدول في فرض ضغوط سياسية واقتصادية وشعبية لإعادتها إلى جادة الصواب والبوتقة العربية، وإبعادها عما يضر المصالح القومية العربية، مع ملاحظة غياب أي ثقافة سلطوية عربية تعي هواجس العرب الحقيقية ومصالحهم الإستراتيجية وهويتهم الإنسانية وعمق بلادهم الحضاري.
لم يتعدّ الخلاف في حقيقته التموضع الجديد الذي أرادته قطر لعلاقاتها الإقليمية، ونظرة دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى هذه العلاقات بعين الريبة، وخصوصاً في ضوء العلاقة المتنامية بين قطر وحركات الإسلام السياسي العربية كالإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس والحزب الحاكم في السودان وطالبان أفغانستان، وغيرها من العلاقات التي تقلق الدول الأربعة في ضوء تنامي الدور الوظيفي لقطر من الولايات المتحدة، الراعي الأم لكتلة هذه الأنظمة، أو تغاضيها عنه في أقل تقدير.
وأكثر ما يقلق دول الحصار العلاقة الودية والمتعاظمة بين قطر وتركيا، وتوجس هذه الأنظمة من التجربة الأردوغانية وامتداداتها الإقليمية وتحولها إلى ما يشبه التجربة الملهمة لكثير من الحركات والأحزاب، خاصة ذات المرجعية الإسلامية، حيث أنها تناقض تجاربهم الهزيلة والبائسة من حيث التنمية ومعدلات النمو المرتفعة والمكانة السياسية والثقل الإقليمي، وحديث تلك الدول عن علاقة قطر بإيران بصفتها سبباً لسوء العلاقة معها وحصارها، ما هو إلا ذر للرماد في العيون ومجافاة للحقيقة والوقائع.
للإمارات مثلاً، وهي صاحبة الحق الأصيل عند إيران كونها تحتل ثلاثة من جزرها، علاقات سياسية وتجارية كبيرة، وسمحت لجمهور فريقها بمواكبة فريقه وتعالت الأناشيد الفارسية على أراضيها في الوقت الذي منعت فيه الجماهير القطرية من الحضور، وكان من باب أولى رفض مشاركة إيران كما فعلت ماليزيا مع الفريق الاسرائيلي أو على الأقل منع جماهيرها من الدخول إلى أراضيها على مبدأ أنه من الأجدى إظهار العداء للأصيل وليس لوكلائه.
وتبدو الولايات المتحدة كمن حصل على فرجة مجانية، وتظهر كمن يدير وينظم خلافاتهم بشكل لا يؤذي مصالحها، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تزلف كل هؤلاء إليها وسيكون البيت الأبيض مكاناً مناسباً للشكوى والبكاء.
كان الأجدر بهؤلاء العربان الالتفات إلى مشاكلهم الحقيقية والانتباه إلى عجزهم المزمن والمتنقل من جيل إلى جيل، ومن الأجداد إلى الأحفاد، والاعتراف بالدور الوظيفي الذي رسم وخطط لأوطانهم في مكان بعيد.
لم تكن أكثر من لعبة وكرة تتقاذفها الأقدام الماهرة وتنقلها بحرفية وتنظيم إلى حيث الهدف، فليتهم تعلموا من كرة القدم العمل والتخطيط والمهارة والتركيز على الفوز.
عذراً التعليقات مغلقة