رغم أن الحروب التي وقعت في العالم كثيرة، وكانت محصلتها خروج طرف منتصر عسكرياً أو سياسياً، إلا أن هذه القاعدة لم تجر على إطلاقها. ففي السنوات السبعة الماضية على الأراضي السورية اختلفت كل المعايير الإنسانية والعسكرية والسياسية، وكأن هذا النظام يشكل استثناء لن يتكرر في كثير من الدول، فاقتضى الأمر من باقي الدول الدفع بكل شيء للمحافظة على كيانه، وكأن هذا الشعب يشكل طفرة إنسانية أو ورماً خبيثاً لدى مدعي الإنسانية والديمقراطية، الذين يتوجب اجتثاثهم.
ومن هنا وضع نظام الأسد كل طاقاته البشرية والمادية في سبيل منع توغل فكرة الثورة على النظام في عقول الشعب بكافة أطيافه، الأمر الذي عول عليه النظام في قوته العسكرية والأمنية وتجربته السابقة في الثمانينات جعلته لا يضع حداً أو قيوداً على تصرفاته وإمكانات جيشه حتى وجد نفسه لا حول له ولا قوة أمام المساحة الجغرافية الواسعة التي فقدها للجيش الحر، فبات قريباً من إعلان استسلامه، لكن دولاً كثيرة وجدت في سقوطه خطراً كبيراً قد يلحق بها، فكان في تدخلها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً حبل النجاة للنظام ليعود من جديد بشكل أقوى، مستغلاً الضعف الذي عصف بالمكونات الثورية نتيجة المخاطر الداخلية بعد دخول التنظيمات المتشددة وكسبها للأراضي المحررة بدماء الكثير من الشباب.
كانت سياسة النظام منذ بداية انطلاق الثورة الاعتماد على الكذب والتدليس مستهدفاً الشريحة التي تؤيده والدول الغربية ذات الثقل العالمي وإظهار ثورة الشعب السوري على أنها مخطط إرهابي يسعى إلى إلغاء جميع الأطراف بالقتل وتحويل سوريا إلى إمارة إسلامية، فكان ذلك سبباً لكثيرين لمحاربة هذه الثورة.
وبعد سنوات سبع يحاول النظام الظهور أمام الآخرين على أنه المنتصر ويستحق التتويج لقيامه بمعركة كونية عن جميع الدول، لكن بات الجميع يعي مدة الخسارة التي تكبدها النظام في كل المجالات، أولها فقدانه لسيادته أمام الروسي والإيراني على أراضيه، وتحوله إلى أداة تأتمر بأمرهم، وفقدانه أكثر المناطق غنى بالثروات، وخاصة النفط والكهرباء اللذين كانا يشكلان مورداً كبيراً لاقتصاد الدولة، ما وضعه في مواجهة مع مطالبات مؤيديه بتوفير حاجياتهم من المحروقات والكهرباء، وخسارة جيل كامل من الشباب في حاضنته لزجه بهم في القتال وتحول مجتمعه إلى مجتمع أنثوي.
الخسارة الكبرى التي لحقت به هي فقدان حالة المهادنة مع إسرائيل وتحول قطعه العسكرية إلى أهداف مشروعة بفضل الحليف الإيراني، وتحوله إلى نظام منبوذ سياسياً بعد أن أعلن ولاءه لدول أرادت تصفية حساباتها من خلال دعمها له، وتدمير أكثر من 70% من المدن السورية وتهجير ملايين السكان ومواجهته بقانون قيصر الذي سيقف حائلاً بينه وبين داعميه.
في المقابل لا يمكن القول إن خسارة النظام تقابلها فوز المعارضة بكل شيء ولا يقصد بالمعارضة كل الجهات الثورية بل الجهة السياسية التي وضعت نفسها ممثلاً للشعب السوري، فالكتلة المعارضة لم تحصل حتى الآن على مكسب واحد يوازي خسارة النظام بل ما زالت تتأرجح بين هذا وذاك، حتى أنها فقدت القسم الأكبر من حاضنتها التي لم تجد منها بصيص أمل ينقلها إلى ضفة الأمان، وحتى أصبح الشعب المهجر يعتبر أن معظم الفئة السياسية المعارضة ما هي إلا واجهة قد تنقله تدريجياً إلى حكم الأسد.
ربما لو حصل الاعتراف السياسي بقوى المعارضة من قبل بعض الدول لكان دليلاً قوياً على وحدة صفها وابتعادها عن الشللية ورغبتها في تمثيل هذا الشعب الذي لم يبق لديه ما يخسره، ورغم ذلك فيعتبر هو الذي انتصر وكسب كرامته التي لطالما حاربتها عصابة الأسد لأنها إحدى أهم نقاط ضعفه.
عذراً التعليقات مغلقة