تتخذ تركيا من “ضرورة” عودة اللاجئين السوريين على أرضها إلى المواقع الّتي تهيمن عليها شمالي سورية، مناسبة لطرح مشروع “المناطق الآمنة” على حين لا تهتم إلى أن ذراع تنظيم الدولة الإسلامية “هيئة تحرير الشام” باتت تسيطر على معظم الأراضي الّتي تحوي أكثر من ثلاثة ملايين سوري، يُحسبون في صف المعارضة. بينما يستعد جيش النظام لمعركة إدلب الأخيرة قبيل التفاهم بين تركيا وروسيا على قضم ما تبقى من ريف حماة وريف اللاذقية لتصل مواقع النظام إلى ريف إدلب الشمالي، وربما قد يكون المبرر القضاء على “تحرير الشام” لكن هذه الأخيرة، أعلنت بواسطة سياستها البرغماتية، عن دعم عمل تركيا العسكري، المرتقب ضد أكراد سورية شرقي الفرات.
وفي كل تلك الفوضى، يتحدث الجميع عن عودة اللاجئين السوريين الإجبارية من لبنان ومخيماتها، ونوايا الأردن والولايات المتحدة وروسيا بتفكيك أكبر مخيمات الجنوب السوري “الركبان” لدفع العائلات إلى حضن “الأسد” وتحويلهم إلى ورقة أردنية تفتح من خلالها المملكة الهاشمية صفحات جديدة مع روسيا والنظام واللاعبين في المنطقة.
على المقلب الآخر في الداخل السوري، تقريباً، لا يعود أحد إلى بلداته المدمرة، حتى ليضع خيمة فوق ركام البيوت التي قصفتها الطائرات الحربية. بينما فصائل المصالحة تعيش رعباً وانتقاماً مستمراً من قوات النظام عبر حملاتها الكبيرة لتجنيد السوريين في محرقة القتال، حسب ما أشارت صحيفة التايمز البريطانية منذ أيام.
إذاً وسط هذا الجحيم المتصاعد من اللعب بحياة المدنيين، ودفعهم إلى الهجرة واللجوء، يرتكب البعض حماقات متخلّفة في بلدان أوربا، تعكس مقدار الجهل الاجتماعي والفكري المتجذر بالنفوس طيلة العقود الماضية، ولعل آخر جريمة كانت الأسبوع الفائت حيث أقدم لاجئ سوري على طعن زوجته حتّى الموت في إحدى بلدات ولاية “هيسن” الألمانية، فيما تحفظت السلطات على طفليه. ويبلغ الزوج من العمر 27 عاماً، وهنا يمكن التوقف عند ماهية أن يفعل سوري في بداية شبابه، هذا التصرف بغض النظر عن مبررات شمّاعة التقاليد والعادات، فهو لم يندمج ولم يكن لديه رادع إنساني أو أخلاقي، لم يفكر بأطفاله ولم يحسب حساب مئات آلاف السوريين في الخارج الذين قد يعانون من تشويه حياتهم وتحصين القانون بشراسة وتفرقة أكثر للنساء الأجانب. كما أنّه لا يختلف عن المرأة الانتحاريّة الّتي قيل إنها اقتحمت منذ أيام مقر “حكومة الإنقاذ” التابعة لتحرير الشام “جبهة النصرة” في إدلب.
قواسم مشتركة عديدة للعنف تجمعنا؛ هي أننا نهرب من واقع اجتماعي تربوي، عينف واقصائي، ولا نعالجه بدراية وحكمة ونتعلم من تجارب الدول التي هربنا إليها، ويأتي من يقول “التخوّف على المدنيين”!
ترى عن أي مدنيين يتحدث الساسة وزعماء الدولة المتحاربة في سورية؟ إذا كانت تركيا تجنّد مقاتلين لصالحها تحت اسم “الجيش الوطني أو الجيش الحر” وروسيا تجنّد مرتزقة من جنسيات عديدة تحت اسم “الفيلق الخامس أو فاغنر” وإيران الطائفية بدأت مشاريعها الاقتصادية من محطات الكهرباء في سورية إلى جانب نشر التشييع في التعليم وصولاً إلى ظهورها بصور “البطل الخارق” وهي تلعب مع إسرائيل لعبة كشف المخازن المزعومة وإطالة أمد بقائها في سورية لاستكمال مشروعها بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط بشراكة روسيا واتفاق تركي وتحريك بعض العصابات مثل “حزب الله والحرس الثوري” ولا نزال نبحث أين اللاجئ السوري من ذلك؟
إن الانتعاش الاقتصادي المزعومة الّذي دفع بعجلة عمل المصانع وبعض خطوط الإنتاج في الداخل السوري، سبب أزمة في الكهرباء والغاز، حيث يتم استهلاك الغاز الطبيعي والكهرباء بكميات مضاعفة عن الحاجة، ولا يصل إلى سورية منها إلا القليل، نظراً لتزايد السرعة وإظهار العمل و”النهوض” في محاولة تعويم اقتصاد النظام وتنشيط مشاريعه لتشجيع الاستثمار على مائدة الدم السوري أو ما يعرف بـ”إعادة الإعمار” وشهدنا مؤخراً زيارة وفد من رجال أعمال النظام إلى الإمارات العربية المتحدة لمناقشة خطط مقبلة “اقتصادية” أو ربما “أمنية” بينما لم تسمح لا الامارات ولا غيرها من أغلب الدول العربية بدخول السوريين، بل وتعاملت معهم كمشبوهين حتّى اللحظة، لأنهم جميعاً -أي حكام الأنظمة العربية- يشبهون هذا النظام المُعاد إنتاجه لمصالحهم ومشاريعهم وضد السوريين أينما كانوا!
إذاً لندع ورقة اللجوء جانباً، فالسوري يحاول أن يوازن نفسه بعد خروجه من جحيم الأمراض النفسية والعقلية والسياسية والطائفية المحلولة في أكله وشربه وحياته اليومية وعمله في ظل غياب المواطنة تحت ذهنية العسكر والقتل. يبدأ من صفر التجربة خارجاً، يحمل طموحاته وأحلامه، إمّا أن ينجح ويصبح مواطناً في البلد الّتي لجأ إليها بوصفه إنساناً، أو أن يبقى كما هو لا يضيف لحياته شيئاً وفي أحسن الأحوال يفكر بالعودة إلى “بلاد الإسلام” تركيا ليكون تحت رعاية الإخوان المسلمين ومشاريعهم في “الإسلام السياسي” من جمعيات ومنظمات دعوية ومهنية ومراكز دراسات وإعلام تحتضن السوريين في تركيا، وتحضّر بعضهم لاستثمارات المناطق الآمنة من درع الفرات إلى عفرين مروراً بتطلعات أبو محمد الجولاني زعيم النصرة، العصي على المحاكمة (…) لأن دوره الدولي لم ينتهِ بعد ودور الإخوان كذلك، رغم أن حصة حليفتهم تركيا تتقلص جغرافياً، لكنهم لا زالوا يفكرون برحيل النظام، وجنود هذا الأخير تنسق مع تحرير الشام في المعابر الإنسانية والتجارية وتهريب الآثار وقتل الناشطين وتسليم المناطق المعارضة مقابل بيع الذمم ضد الثورة والدم السوري.
عذراً التعليقات مغلقة