يتهم المسؤول عن مجلس النّواب التابع للنظام السّوري، كلّ من ينتقد الأزمات الخدميّة الّتي يعاني منها الأهالي في الداخل السّوري، بأنّه “يُدار من الخارج!” وبعد هذه السنوات من الدم والدمار وطموحات البشر في سورية أن يجدوا تغييراً نحو الأمام، على تضخم فاتورة الخسائر، يأتي أحد رؤوس النّظام ليخبرهم بأنّهم “خونة” يتآمرون على الدولة. ما جعل أشدَّ المُدافعين عن القتل والاجرام في حكومات “الصمود والتصدي” ينتقد ويسخر بل ويطالب برحيل هذه الحكومة!
هنا يمكن قراءة ردّة الفعل للشارع في الداخل السّوري عبر انتقال عدوى المُطالبة بالحقوق، حيث نمت ثقافة الاحتجاج والرفض في سورية بعد أن سُفكت آلاف الحناجر الّتي صرخت دفاعاً عن الكرامة والحريّة، ولا يدفع الثمن إلاّ الشعب. ذلك أنّ الموالين والمعارضين وحتّى من كان ينتظر انزياح الكفّة -وما أكثرهم- لطرف ما، لم يتيقنوا مدى خطورة أن يُهان الشعب ويعتبر أي صوت مطالب بحقوقه -مهما كان شبيّحاً- عبارة عن شخص مأجور للخارج.
وما الّذي ينتظره الناس في كلّ ضفاف الحرب الدائرة ضمن سورية ولأجل اقتسامها؟ ما الّذي يمكن أن يصل إليه الشعب سوى نتيجة أنّه المستهدف الأبرز في كلّ ذلك، لأنّه لم يؤمن بحقه، بل أغلبهم وضع بنادق الآخرين على صدره وأعطى الضمير مخدراً مؤقتاً من الخوف، معتبراً الأحداث لن تمسّه طالما كان يمشي إلى جانب الجدار بمنتهى الطواعيّة، بل ومذللاً أبناء جلدته في المناطق المدمّرة، ربّما، لأنّهم رفضوا هذا الطغيان ولم يكن لديهم خيارات ناضجة سوى الاحتجاج.
إنّ الأنظمة المستبدّة لا تستكين لحدود إنسانيّة، ولا تعنيها العقول والشخصيّات الوطنيّة بقدر ما يهمّها تأسيس جيش جرار يدافع ويموت فداءً لسبطانتها وقلاعها، مهما حدث ويحدث في الأرض الّتي تتأسس فوقها. تماماً كما في سورية، بينما يبقى الشعب على الدوام يعيش موجة اكتشافات رهيبة، لعل أبرزها تلك المتعلقة بالأمن والأمان، وبمفهوم أدق الأمن أي المخبرين والرقابة على الحريّة، والأمان أي التزام الشعارات الخشبيّة في الاشتراكيّة الأسديّة والوحدة والبعث الفاشيّ، والوقوف صفاً واحداً في المعركة ضد “العدو”، طبعاً مع اختلاف كبير على مفهوم العداء، وهنا كانوا اخترعوا منذ بداية الثّورة مصطلحات ضد المتظاهرين مثل “وكلاء الخارج” و “مندسّين” الّتي عادوا ليستخدموها مع جمهور الموالاة، حيث لن يعد لديهم ما يخسرونه بعد أن راهنوا على الوقوف إلى جانب الشكل الأمنيّ للدولة والمخترق من عشرات الدول الكبيرة، وضربات العدو الإسرائيلي صديق روسيا، تشهد بذلك.
يموت أطفال وسط دمشق، ليس بقذيفة هاون أو برصاص مجهولين، إنّما بحريق، جراء عطل في مدفئة كهربائية تأتي على حياتهم وتحرق المنزل فوقهم، ترى رئيس حكومة النّظام يقفز على الشاشة ليمتص غضب الشّارع، والمعروف أن سبب الحريق هو التقنين الكهربائي الذي يعاني منه الناس في الداخل السّوري مع صعود موجة البرد، فكان موت الأطفال السبعة، فرصة لتصفية الحساب إعلامياً مع التعامل السيء أصلاً من قبل النّظام مع آلام الشعب، كأن تقول مثلاً قناة الإخبارية التابعة لإعلام الأسد “هل يمكن للمواطن السّوري الّذي صمد وتحمّل ثمان سنوات أبشع أنواع الإرهاب، أن يهزم اليوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الأصوات والقنوات المشبوهة”! هذه هي تماماً اللغة الإنكاريّة الّتي تستهجن وعي المواطن، لدرجة أنّها تروّج للشك أن أفكاره واحتجاجه ورفضه، هي أصوات وقنوات مشبوهة، حسب التعبير الأمنّي في تلك الأقنية الملوّثة بالدم والتزوير.
بمعزل عن تاريخ العنف الموجود بين النفوس، والّذي اشتغل النّظام بشكل أساسي على تنميته في سورية، فإنّ فرصة الوعي السّياسي والوقوف ضد عملية تحويل الشعب إلى خونة بمجرد تفكيرهم خارج نمطية التدجين السّياسي الشامل، هي ذات التوجه الّذي خرج لأجله مئات الآلاف من السوريين في مظاهرات قبيل سنوات واتهموا أنهم “خونة” ذلك أننا كنّا شعباً واحد وفرّقنا الجلّاد، وها نحن ننتبه لتبريراته القاتلة، فهل نبدأ بالوقوف معاً ضد أكل أشكال الطّغاة؟
عذراً التعليقات مغلقة