الأحوال الشخصية هي كل ما يتعلق بحقوق الشخص الطبيعي وما يترتب عليه من واجبات كالزواج والطلاق والتفريق والخطبة والنفقة والحضانة والنسب والإرث، وكثير مما يترتب على هذه الأمور وهذه الحقوق يتصل مباشرة بشخص طبيعي وتختلف تماماً عن الحقوق العينية أو المادية، من حيث أن حقوق الشخص تلتصق به ولا يمكن التنازل عنها، على عكس الحقوق المادية التي يمكن التصرف بها والتنازل عنها.
وقد وجدت الأحوال الشخصية، بصفتها قواعد ثابتة لا تتبدل، لتنظيم علاقة الأشخاص ببعضهم والحفاظ على الحقوق والواجبات . ومرت هذه القواعد بمراحل عدة حتى وصلت إلى ما نعرفه اليوم، حيث بدأت بقواعد بسيطة فطرية غير منتظمة، حتى جاء الإسلام ووضع القواعد التي تهم حياة الشخص كلها، وأصبحت الشريعة الإسلامية هي المرجع لأحوال المسلمين، فيما بقي غير المسلمين يخضعون لقوانين ومرجعيات قديمة دينية أو مدنية.
و تظهر أهمية الحفاظ على الأحوال الشخصية للأفراد عندما تعصف بأمة ما كارثة إنسانية تغير أنماط حياة أفرادها، خاصة الحروب وآثارها المدمرة لبنية المجتمع بالدرجة الأولى. وتختلف قواعد أو قوانين الأحوال الشخصية عن غيرها من القوانين كالقوانين الجنائية أو الإدارية أو العقارية، بأنها قوانين ثابتة لا تتبدل بتبدل الواقع أو بتبدل المكان؛ فقوانين الزواج والمهر هي ذاتها، ولا يمكن التنازل عنها وإلا يكون الزواج باطلاً، بينما نلاحظ أن القوانين الجنائية قد تطبق أو لا تطبق بحسب أهواء القائمين عليها وحسب المرحلة التي نعيشها، وكذلك القوانين الإدارية التي تتبدل حسب الحكومات والمؤسسات الناظمة لها، وهذه لا يهمها طبيعة الشخص أو حقوقه الشخصية وإنما علاقة الشخص مع هذه المؤسسة.
و إن كانت بعض الدول لم تتخذ من الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، إلا أنها نظمت أحوال أفرادها بالاعتماد على القوانين الأجنبية التي في معظمها لا تخالف النظام العام والآداب العامة. وقد يقول قائل إن بعض الدول التي تطبق الشريعة الإسلامية أو التي تعتمد عليها في تشريعاتها نلاحظ فيها انحلالاً أخلاقياً كبيراً، و هذا الأمر لا علاقة له بتطبيق القوانين أو عدمه، بل يتعلق بمدى التزام الأفراد بشرائعهم الدينية، فالقواعد موجودة لكن القفز فوقها هو ما يسبب اختلال البنية المجتمعية.
وما يمر به مجتمعنا من كوارث اجتماعية أقلها تشتت الأسرة الواحدة في أكثر من دولة، لا يمكن أن يمر من دون أن يترك بصمته على هذا الشعب الذي أصبح يواجه قوانين الحياة والطبيعة والفصائل، إضافة إلى قوانين النظام وجبروته، وكل ما ينتج عن ذلك ليس مستغرباً من خروج البعض عن القواعد الدينية أو الأخلاقية أو حتى الأعراف والتقاليد، بل يمكن أن نقول إنه رغم كون هذه المشكلات ذات أهمية كبيرة ومعقدة، لكنها ممكنة الحل بوسائل عدة، بعكس ما أحدثه النظام من مآسٍ وسوابق تاريخية في تدمير المجتمع.
Sorry Comments are closed