الصمت جريمة.. عندما يقتل بالتعذيب موقوفٌ لدى “الثوار”

حرية برس24 يناير 2019آخر تحديث :
محمد العتر أحد عناصر فيلق الشام الذي استشهد تحت التعذيب في سجون الفيلق- متداول

انفجر الشعب السوري في آذار من العام 2011 في انتفاضة عارمة ساعياً نحو تغير جذري في حياته التي كان يحياها في ظل نظام قمعي قاتل لشعبه ناهب لثروات بلاده، يترأسه مستبد حول نظامه إلى عصابة تؤدي خدمات بالوكالة لدول خارجية، وتمنح أتباعها من المسؤولين المجرمين سلطة نهب ثروات البلاد مقابل بقائه في الكرسي جاثماً على صدور السوريين.

سعى الثوار السوريون إلى حياة أخرى، يسودها احترام القوانين والمواطنة والديمقراطية، والحريات الأساسية، السياسية والاجتماعية، بما يكفل حرية الرأي والمعتقد، وتشكيل التنيظمات السياسية والمدنية، والمساواة في الواجبات والحقوق المادية والمعنوية، فلا يكون “فلان” القريب من السلطة مالكاً الأموال والمشاريع والنفوذ، و”فلان” البعيد عن السلطة محروماً من هذه الفرص، وبهذا المعنى تكون الدولة كافلة لحقوق مواطنيها في حياة حرة كريمة (عمل ومسكن وصحة وأمان).

ما حدث لاحقاً هو أن بعضاً ممن ركب موجة الثورة أصابها بمقتل جهله وقلة وعيه الوطني والإنساني، مدعوماً بقوة السلاح، وبنفوذ مناطقي أو عشائري أو عائلي، أو مستغلاً لإيديولوجيات دينية أو قومية أو طائفية، ومستنداً إلى قوى إقليمية أمدته بالسلاح والمال والعتاد.

وللأسف، يحسب هؤلاء أنفسهم على الثورة السورية، ثورة الأخلاق، وهي منهم براء، فقد كرروا في مناطق سيطرته ممارسات نظام الأسد نفسها، فقمعوا الرأي المخالف وساقوا الاتهامات والتكفير، واغتالوا أصحاب الرأي الحر بالقتل أو الاعتقال أو التهديد، وأنشأوا سجونهم ومحاكمهم وقوانينهم الخاصة التي يدعي معظمهم أنها مستمدة من “شرع الله”.

ومن حقنا أن نسأل: كيف يدعي هؤلاء إقامتهم لـ “شرع الله” وهم يمارسون تعذيب المتهمين الموقوفين؟ ومتى شرع الله لإنسان أن يعذب أخاه الإنسان تحت أي ذريعة كانت؟

لقد كفلت جميع الشرائع، أرضية كانت أم سماوية حق الإنسان في حياة حرة كريمة، وهو ما ثار لأجله الشعب السوري، واحترمت هذه الشرائع جسد وروح الإنسان، فلا يمكن سلب الإنسان روحه ولا إكراهه جسدياً – بالحبس مثلاً – إلا بالحق البيّن، وحرمت كل الشرائع دون استثناء تعذيب أي متهم بهدف الحصول على اعترافات.

ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: “والَّذين يؤْذُون الْمؤْمنين والْمؤْمنَات بِغَيرِ ما اكْتَسبوا فَقَد احتَملُوا بهتَاناً وإِثْماً مبِينا”، ويقول النبي محمد صلى االله عليه وسلم في الحديث الشريف:” لا تعذبوا خلق االله”، وتنص المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، وتؤكد المادة الثانية من اتفاقية مناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام  1984، على أنه “لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلى أو اية حالة من حالات الطوارئ العامة الاخرى كمبرر للتعذيب، ولا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب.

الوقائع التي خرجت على السطح في قضية مقتل الشاب محمد العتر، “المتهم بجرم جنائي” على يد عناصر أمنيين في سجن تابع لفيلق الشام في ريف حلب، تمثل رأس جبل الثلج المطمور تحت بحر واسع من الانتهاكات التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها معظم الفصائل المسلحة، وبعضها محسوب على الثورة و”الجيش الحر”، وما خفي أعظم، فخروج المعتقل جسداً دون روحه من سجون فصائل تدعي أنها تعارض نظام الأسد وتنتمي إلى الثورة، جريمة لا تغتفر، ويجب أن تكون المحاسبة سريعة وجدية ومهنية، وعلى أعلى المستويات، بدءاً من القادة العسكريين والأمنيين، مروراً بمن يسمون “الشرعيين”، وانتهاء بالعناصر، فلو لم يأمن هؤلاء العناصر “العقاب” وردة الفعل على انتهاكاتهم، لما أساؤوا الأدب، وتجرأوا على هذه الجرائم، ولولا افتضاح الأمر لما تم تحريك ساكن، ولربما جرى مكافأة هؤلاء المجرمين.

الجريمة النكراء التي حصلت لا تختلف بحال من الأحوال عن جرائم عصابة الأسد التي تقتل المعتقلين في سجونها بالتعذيب والتجويع، وهي ليست الجريمة الأولى، ولن تكون الأخيرة إن تم تحميل العناصر الأدنى مرتبة مسؤولية الجريمة، وهرب القادة من المحاسبة بالتنصل من المسؤولية، كما هرب الكثير منهم بما جمعه من دولارات ليحتموا بحضن مشغليهم من الدول المختلفة.

وسنسمع الكثير الكثير من المظالم والانتهاكات على يد المتنفذين المستقوين بسلاحهم، إن لم تحل جميع التشكيلات وتندمج تحت قيادة عسكرية خبيرة تراعي مبدأ التسلسل العسكري والأقدمية ونظام الحساب والعقاب، والمكافأة، وإن لم تراقب سجون جميع الفصائل من قبل جهات حقوقية مستقلة ومشهود لها بالكفاءة والنزاهة، وتكون هناك شرطة مدنية مختصة بقيادة أعلى الرتب وأقدمها وأكثرها خبرة، وتوحد المحاكم المختلفة في مرفق قضاء معتبر، لتحكم بالقانون السوري الذي وجد قبل أن يوجد مؤسس هذا النظام نفسه، ويعهد بهذه المحاكم لقضاة معروفين بنزاهتهم وتاريخهم المشرف النظيف يحترمون قيم حقوق الإنسان، وإن لم توجد صحافة حرة وعمل سياسي حقيقي يلتزم مباديء الحرية والعدالة والمساواة.

فهل تتحقق هذه الضرورات قبل أن نخسر ثورتنا وحاضنتها الشعبية فيما تبقى من مناطق محررة، نمني النفس أن تكون ملاذ الأحرار الفارين بأحلامهم بالحرية؟ أم سنبقى نمارس الصمت.. الجريمة؟

أضعنا الكثير من الوقت ونحن نتغافل عن مصائب جرتها ممارسات المغامرين المسلحين بكل أدوات الإضرار بالثورة، ولا بد من العمل السريع الإنقاذي، وإلا .. فلن ينفع الندم ولا التباكي على ثورة أضعناها لأننا لم نكن رجالها المخلصين لأحلام الأحرار السوريين.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل