التخلص من الأطفال الرضّع ظاهرة تنتشر في الشمال السوري المحرر

فريق التحرير121 يناير 2019آخر تحديث :
الطفل الذي وجد مؤخراً في مدينة أريحا – شبكات التواصل الاجتماعي

عائشة صبري – حرية برس:

لم تعد ظاهرة ترك الأطفال الرضع على قارعة الطريق أمراً مستغرباً، فبعد أن كانت تثير الدهشة والتساؤلات حول مايمكن أن يدفع الأم إلى التخلص من فلذة كبدها، باتت هذه الظاهرة جزءاً من يوميات كثيرين يتعايشون معها وكأنّها خبر سيئ آخر.

انتشرت ظاهرة وضع أطفال حديثي الولادة، في الأشهر الأخيرة، في الأماكن العامّة في مناطق الشمال السوري المحرّر، وقد أصبح هناك عائلات ترعى الأطفال ريثما يتم كشف مصائرهم.

وكان آخر الحوادث في يوم الجمعة 18 يناير/كانون الثاني الجاري، حيث عُثِر على طفل حديث الولادة في مدخل إحدى أبنية مدينة أريحا، جنوبي محافظة إدلب، لكن الشخص الذي تكفل به رفض التواصل مع جهات إعلامية، أو حتى إعطاء الطفل إلى أشخاص آخرين طلبوا التكفل به.

وللحديث عن أسباب هذه الظاهرة، قال الدكتور ’’فواز العواد‘‘،الأستاذ الجامعي في قسم التربيَّة والإرشاد النفسي، في حديثه لحرية برس، إن ’’ذلك يعود إلى انتشار الرذيلة والبغاء والسفاح، والنتيجة الحتمية لهذا الانحدار وجود أطفال غير مرغوب فيهم، وتركهم على قارعة الطريق أو إلى جانب حاوية نفايات أو في مدخل عمارة أو مسجد‘‘، حسب وصفه.

وأضاف العواد أنَّ ’’ظاهرة الأطفال اللقطاء غريبة على مجتمعنا السوري، لكنها ظهرت في السنوات الأخيرة نتيجة لعوامل عديدة، لكن هذه الحوادث التي تُفاجئ المجتمع السوري بشكل متكرّر أصبحت ظاهرة، حيث أن الأمر تعدى الحوادث الفرديَّة نادرة الوقوع، إلى حالات متعدّدة في مناطق مختلفة جغرافياً وثقافياً واقتصادياً، ولا شك أنَّ هذه الظاهرة تنتشر في مجتمعات عربيَّة وإسلاميَّة كثيرة، وترتفع نسبتها في المناطق التي تُعاني من أزمات الحروب والنزوح والفقر، وقد نشرت تقارير متعددة حول هذه الظاهرة المؤلمة في العراق وغزة والأردن ومؤخراً في سوريا‘‘.

وبالنسبة إلى الحلول، أوضح الدكتور العواد أنَّ ’’القانون والدين والتثقيف هي الأعمدة الثلاثة الأساسيّة من أجل الوقاية من ظاهرة الأطفال اللقطاء والحدّ منها، فالقانون يضمن حماية المرأة التي أخطأت ووقعت في الرذيلة من الانتقام بحجة دافع الشرف الذي لا يستند إلى شرع، أو مبرّر قانوني، وبالتالي عندما تعلم المرأة بأمر تورطها بالحمل من سفاح أو زنا يمكنها أن تلجأ إلى السلطات القانونيَّة التي تحميها، وتضمن لها المحافظة على حياتها، لكن مع غياب السلطة القانونيَّة لم يعد أمام النساء المتورطات بالحمل إلا اللجوء إلى التخلص من الجنين قبل الفضيحة التي قد تهدد حياتها‘‘.

وأشار الدكتور إلى أنَّه لا بدّ للوقاية من ظاهرة الأطفال اللقطاء، من نشر التديّن الصحيح الذي ينمي الضمير الأخلاقي، ويُعدّل السلوك، ويحمي الإنسان من الوقوع في الرذيلة والعلاقات غير الشرعيَّة لما يترتب عليها من عقوبات سماوية، ولا شك أنَّ مناطق شاسعة باتت مكتظة بالسكان والنازحين، ومحرومة من التوعيَّة الدينيَّة، وتدعيم القيم الأخلاقيَّة الرادعة، حسب تعبيره.

بينما يعتمد الركن الثالث على التثقيف والتوعية بمخاطر العلاقات غير الشرعية على الصعيد النفسي والصحي والاجتماعي والأخلاقي، حيث شدد الدكتور على وجوب ’’أن تنشر المنظّمات المجتمعيَّة الكتيبات وتقيم المحاضرات وورش العمل للتثقيف بمخاطر العلاقات غير الشرعيَّة وآثارها، بالإضافة إلى التوعيَّة بالسبل القانونيَّة للتعامل مع الحالة في حالة حدوثها‘‘.

وأضاف الأستاذ الجامعي: ’’لا شك أنَّ ظاهرة الأطفال اللقطاء في المجتمع السوري، والمحرر منه على وجه التحديد، بحاجة إلى ندوات علميَّة، وورش عمل يقوم بها المختصّون في علم الاجتماع والتربيَّة وعلم النفس والإعلام والدين، ليتم تحديد هذه الظاهرة (أسبابها وآثارها وعلاجها)، ثم وضع الاستراتيجيَّات العمليَّة الكفيلة بالحدِّ منها، وكلّ ذلك يكون بالتعاون مع المنظمات الفاعلة والمجالس المحليَّة والهيئات الدينيَّة والإعلاميَّة‘‘.

وحول سؤالنا عن مدى التعاطف مع أولئك الأطفال وكيفية تربيتهم، أفاد العواد أنَّ ’’التعاطف موجود، ولكن الأهم حصول الأطفال على حقّهم بالحياة والعلاج الصحي والحماية الاجتماعيَّة والنفسيَّة، ما يضمن نمواً سليماً لشخصياتهم بعيداً عن مطاردتهم بـ(وصمة العار) كونهم مجهولي النسب، ويختلف التعامل مع هؤلاء الأطفال، فمنهم من يحظى بأسرة تكفله بين أفرادها كواحد منهم، ومنهم من يحوَّل إلى دور رعاية مع أطفال أيتام معروفي النسب لكنهم يشتركون بفقد الأبوين، أحدهما أو كليهما، وهنا يتلقى الأطفال الرعاية العامة بدون تمييز مع أقرانهم الأيتام‘‘.

واختتم الدكتور حديثه بالقول: ’’إنَّ المجتمع السوري مجتمع متدين ومحافظ لذلك يُصدم جداً بحالات الأطفال اللقطاء، حيث أنها تشير إلى انتشار العلاقات غير الشرعيَّة، وعلى ضعف الوازع الأخلاقي، ما يزيد من شعور السوريين بالألم النفسي على الحالة الاجتماعية التي وصلنا إليها ضمن ظروف سياسيَّة عالميَّة منحت المجرمين الفرصة للاستمرار بالتنكيل بالشعب السوري المطالب بكرامته وحريته، بالتزامن مع ضعف الدعم الإنساني الدولي الكافي الذي يضمن الحدّ الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة‘‘.

وتكرّرت هذه الظاهرة مؤخراً في الشمال السوري، حيث وُجد أحد الأطفال مرمياً على قارعة الطريق قرب مدينة سراقب شرقي إدلب، في الثامن من ديسمبر الماضي، ونقل إلى أحد مشافي المدينة لتلقي العلاج، وسبق ذلك العثور على طفلة حديثة الولادة في مدخل مبنى في حي العصيانة في مدينة أعزاز، شمالي حلب، في الثالث من أكتوبر الفائت، وكان وضعها الصحي جيداً وتكفل بها شخص من مدينة تل رفعت، وقبل ذلك تكفل أحد عناصر شرطة مدينة عفرين شمالي حلب، يُدعى ’’محمد الحمدو‘‘ بطفل؛ حيث احتضنه منذ لحظات وصوله إلى مقر الشرطة في تاريخ 22/ 10/ 2018، ويقوم بتربيته مع زوجته التي تُرضعه إلى جانب طفلتهما التي تكبره بخمسة أيام.

ومن وجهة نظر علم الاجتماع، فإنَّ هذه الظاهرة لها أسباب كثيرة يتمثل أهمها في ’’انتشار السفاح ببن الرجال والنساء الذين يختارون هذا الطريق بديلاً عن الزواج الشرعي الذي يحترمه المجتمع ويضمن الاعتراف بالمولود، وحقّه في العيش ضمن أسرة آمنة، إضافة إلى خوف النساء من جرائم الشرف والانتقام من قبل أقاربهن في حال اكتشاف الولادة خارج إطار الحياة الزوجية الشرعية‘‘.

كما أن ’’ضعف الوازع الديني والأخلاقي أو انعدامهما أحياناً يلعب دوراً مهماً في الوصول إلى التخلص من طفل عمره ساعات أو أيام على قارعة الطريق أو إلى جانب حاوية النفايات، بالإضافة إلى أن الفقر والعوز المادي الذي وصل إليه المجتمع السوري قد يدفع بعض الأمهات والآباء إلى التخلي عن المولود الجديد للتخفيف من أعباء الحياة، فضلاً عن أن انتشار المخيمات العشوائية وغيرها، والاختلاط غير المنضبط مع غياب التوعية والتثقيف الأخلاقي، يُسهمان بشكل كبير في تسهيل الحمل عن طريق العلاقات غير الشرعية‘‘.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل