“المنطقة الآمنة” من منظور تركيا

بسام الرحال22 يناير 2019آخر تحديث :
“المنطقة الآمنة” من منظور تركيا

لطالما حلمت تركيا منذ بداية الثورة السورية بإقامة منطقة آمنة على طول حدودها مع سوريا، وحاولت بشتى السبل إقناع الأطراف المؤثرة في القضية السورية من الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والأمم المتحدة بذلك.

وراق لها أن تطلق عليها اسم المنطقة الآمنة لتستقطب أعداداً كبيرة من النازحين واللاجئين والهاربين من جحيم الحرب المستعرة، الذين وجدوا في الاتجاه شمالاً أمراً ممكناً وسهلاً، بحكم التسهيلات التي منحتها تركيا للخائفين والمستجيرين، من خلال تسهيل إقامتهم أو عبورهم.

وحاولت الحكومة التركية في معرض ترويجها لفكرة المنطقة الآمنة، التأثير في قرارات الدول المعنية بمبررات كثيرة ليس من بينها السبب الحقيقي الذي دفعها إلى المطالبة بذلك، واعتمدت مسوغاً أساسياً يقلق الدول الغربية، وهو موجات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، الذين سيجدون في أوروبا وقوانينها التي ترعى حقوق الإنسان عامة واللاجئين خاصة، متى تمكنوا من العبور إلى أراضيها، ملاذاً آمناً للعيش والعمل.

وكان الهاجس الأكبر والحقيقي الذي دفع تركيا إلى تبني هذه الفكرة، هو حماية حدودها وأمنها القومي، خصوصاً بعد فقدان جيش النظام وأجهزته الأمنية السيطرة على الحدود الجنوبية، ما أربك الأجهزة الأمنية التركية، خصوصاً في ظل تنامي قوة الأحزاب القومية الكردية ذات العقيدة الماركسية، التي تعتبر حزب العمال الكردستاني مرجعية فكرية وثقافية وسياسية، وهو الحزب المدرج في قوائم الإرهاب الدولية، وعانت تركيا ما عانته من أعماله العسكرية واستباحته كثيراً من المدن التركية، خاصة في جنوب وجنوب شرقي تركيا، الذي كان يمثل مثلثاً سورياً تركياً عراقياً، وجد الحزب فيه ملاذاً آمناً ينشر فيه فكره ويقيم فيه ثكناته ومعسكراته.

ويضاف إلى ذلك، اكتظاظ المدن التركية بملايين اللاجئين الذين يشكلون عبئاً على الإقتصاد التركي، وعاملاً محتملاً للتأثير في البنية الاجتماعية والثقافية التركية، وكانت السياسة التي اعتمدتها الأحزاب الكردية الراديكالية السورية توجهها على المدى البعيد إلى الانفصال، وتأسيس كيان كردي يعتمد الإدارة الذاتية لشؤونه كخطوة أولى، من دون أدنى تناغم أو تنسيق مع باقي القوى المعارضة على الأراضي السورية.

ورغبت الأحزاب الكردية منذ البداية في التغريد منفردة، وكان ذلك جلياً من نوع الهيكلة الإدارية التي اعتمدتها في مناطقها، والتحالفات التي عقدتها مع الولايات المتحدة والغرب، عبر استقدام قواتها إلى المناطق التي تشكل أغلبية كردية والمناطق العربية الأخرى التي تمدد إليها الكرد، ومحاولة إجراء تغييرات ديموغرافية في بنيتها السكانية.

كل هذا دفع تركيا إلى العمل الحثيث على إقامة هذه المنطقة مستغلة دخولها في تحالفات بينية تشاركية مع القوى المؤثرة في الأرض السورية من الولايات المتحدة وروسيا وإيران،في ظل تقاطع المصالح أحياناً وتباينها أحياناً أخرى.

هناك عديد من الصعوبات التي ينبغي تلافيها قبل الجزم بحتمية إقامة هذه المنطقة، تتعلق بمصالح الدول المختلفة وعلاقاتها المتداخلة، فضلاً عن مسائل كثيرة فنية تتعلق بحجم المنطقة وامتدادها والسلطة الأمنية والمدنية التي ستشرف عليها، وما إذا كانت ستؤدي إلى حظر جوي أو لا، ومشاكل أخرى قد تؤثر على إمكان إقامتها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل