“النصرة” تُدخل إدلب في نفقٍ مظلم.. والمشهد السوري يزداد تعقيدًا

فريق التحرير18 يناير 2019آخر تحديث :
عنصر من هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على نقطة تفتيش أمنية في محافظة إدلب – أرشيف

أحمد زكريا- حرية برس:

يرى مراقبون، أنه على الرغم من حالة الهدوء الحذر التي تشهدها عموم منطقة إدلب شمالي سوريا، فإن بسط “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) سيطرتها كاملة على المنطقة بعد القتال الأخير الذي جرى في بداية الشهر الحالي، لا ينذر بالخير.

واعتبر محللون عسكريون وسياسيون، أن سيطرة الهيئة على المنطقة، وصبغها براياتها السوداء ربما تفتح الباب أمام شهية روسيا وإيران والنظام الإجرامية لاستهداف المنطقة، الأمر الذي سيجعل المشهد أكثر تعقيداً على الصعد كافة، وخاصة إنسانياً، في ظل وجود نحو 3 ملايين مدني، بحسب تقديرات منظمات اغاثية، ما بين مهجر ونازح وقاطن في المخيمات.

ولا يخفى على أحد أنه رغم اتفاق “سوتشي” الأخير، الموقّع بين تركيا وروسيا بخصوص المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، إلا أن روسيا ما تزال تسعى جاهدة، ومن خلفها النظام وإيران، إلى خرق الاتفاق بحجج وذرائع واهية، واستهداف عدد من المناطق كان أخرها بلدة “جرجناز” وماحولها في ريف إدلب الجنوبي، الأمر الذي تسبب بسقوط ضحايا من المدنيين وموجات نزوح للأهالي هرباً من القصف، في خرق واضح للاتفاق.

مبرر للقتل بحجة القاعدة والإرهاب

وفي ظل سيطرة هيئة تحرير الشام على منطقة إدلب كاملة، وتسليم حكومة الإنقاذ المقربة منها مهمة إدارة شؤون المنطقة، يتطفو على السطح تساؤلات كثيرة، أبرزها مصير منطقة إدلب في حال طغى اللون الأسود عليها، واحتمال تسليمها من قبل جبهة النصرة للنظام وروسيا، ومسألة دخول الشرطة العسكرية إلى إدلب من بوابة النصرة، إضافة إلى سيناريوهات أخرى متوقعة.

يقول الخبير العسكري، العقيد “محمد الأحمد”، ردّاً على تلك التساؤلات لحرية برس: “إن مصير إدلب هو نفسه مصير حلب والرقة وباقي المناطق المحررة التي سُلّمَتْ من دون قتال للنظام، فاللون الأسود طغى مع الأسف، والغاية من هذا كله إعطاء المبرر للقَتلة بالمزيد من القتل بحجة القاعدة والإرهاب”.

ويرى “الأحمد” أن الهيئة لا تختلف عن “داعش” في ميزان الدول التي تدعي أنها تحارب الإرهاب، ويضيف: “في الحقيقة أن الارهاب ينتقل من مكان إلى آخر، والضحايا أبناء الشعب والسوري وأطفاله ونساؤه وشيوخه والمهجرون من قراهم ومدنهم”.

وتابع قائلاً: “إما أن الهيئة ستسلم قرى شرق “السكة” من دون قتال، لتدخل قوات النظام مدعومة بالروس والإيرانيين، أو أنها ستقاتل مهددة مصير المدنيين بالموت نتيجة التوحش الذي سينتهجه الطيران الروسي في قصف هذه المناطق بحجة القاعدة والإرهاب، وتكون النتيجة المزيد من الموت والتهجير والمخيمات التي تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة، خاصة في هذا الشتاء حيث ازدادت معاناة أهل الخيام بسبب البرد والسيول والكوارث التي تجرفت مخيمات بأكملها.

مشهد معقد وضبابي على الساحة السورية

ويرى مراقبون أيضاً، أنه مع دخول العام الجديد، يبدو أن ملف القضية السورية يدخل في نفق آخر يحمل تطورات خطيرة، بدءاً من الحملة ضد فصائل الثورة السورية الرافضة للترتيبات الدولية، التي تأتي تمهيداً لإعادة إنتاج النظام من خلال إخلاء المتبقي من المناطق المحررة من أي فصيل ثوري حر غير مرتبط بالأنظمة والجماعات الوظيفية لإنهاء الثورة، يضاف إلى ذلك تأهيل نظام الأسد مع عزل تركيا عن الثورة السورية، وتوريطها في منطقة شرق الفرات بإشراف أمريكي روسي حسب التفاهمات القوية بين الطرفين، في سعيهما إلى انهاء الثورة السورية وطي صفحتها.

وفي هذا الصدد، يقول “عبد الباري عثمان”، ممثل اتحاد الديمقراطيين السوريين في تركيا، لحرية برس: “حدث إرباك عام بعد تغريدة “ترامب”، الخاصة بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، في السياسات الدولية المعنية بالشأن السوري، وكذلك في أمريكا نفسها، وشهدنا عدة استقاﻻت في إدارة “ترامب”، في حين هيأ النظام قواته إلى جانب القوات الإيرانية لدخول المنطقة الخارجة عن سيطرته، أضف إلى ذلك أن تركيا أبدت استعدادها لمحاربة داعش والدخول إلى شرق الفرات”.

“لكن سرعان ما تراجع ترامب عن قراره المستعجل وحدد 120 يوماً لإكمال الانسحاب، وكذلك صرح وزير الخارجية الأمريكية “بومبيو” أن انسحاب القوات الأمريكية مرتبط بحماية حلفائها وانهاء داعش في سوريا، والوقوف في وجه المشروع الإيراني، مضيفاً أن كل هذا يحدث في وقت تسيطر “الهيئة” على محافظة إدلب أغلبها وريف حلب الشمالي، حيث أننا أمام أحداث متسارعة تشهدها الساحة السورية.”

وأعرب “عثمان” عن اعتقاده أن القوات الأمريكية لن تنسحب بشكل كامل من شرق الفرات، مضيفاً: “كما يبدو لي إن أمريكا أرادت أن تورط تركيا في صراع قد يسيي لها قلقاً ويضعها في مواجهة الروس والإيرانيين، أما بخصوص إدلب فأعتقد أن روسيا وتركيا وافقتا ضمنياً على انهاء بعض الفصائل بيد النصرة، وقد تكون هناك مواجهة تركية روسية ضد النصرة، ليسيطر النظام على الطرق الرئيسة (إم 4 وإم 5) بمساعدة روسية، وتبقى ادلب تحت الحماية التركية مع درع الفرات وغصن الزيتون، أما بخصوص شرق الفرات فأعتقد أن المنطقة مرتبطة بالتفاهم التركي الأمريكي، ولن يكون هناك دخول للقوات التركية مادامت القوات الأمريكية موجودة في الجزيرة، كما أن هناك مفاوضات تجري بين النظام و”قسد” ﻻ أعتقد أنها ستأتي بنتائج إيجابية، لذلك فالمشهد معقد جداً وضبابي في ظل وجود معطيات جديدة يومية، ودائماً الغائب هو الشعب السوري”.

الانسحاب الأمريكي سيسرع الحل السياسي

من جهته، اعتبر “ميسرة بكور”، مدير “مركز الجمهورية للدراسات وحقوق الانسان”، أن الثورة السورية دخلت النفق منذ أمد بعيد، وقال: “إن الوضع السوري تجاوز منتصف النفق، ويتجه إلى الضوء في آخره، أما على أرض الواقع فأعتقد أن الانسحاب الأمريكي من سوريا له تداعيات سياسية واستراتيجية على أرض الواقع، وكل فريق يستطيع أن يجد فيه ما يعتقد أنه انتصار أو مكسب له وهذا صحيح؛ فتركيا تستطيع القول إنها أوقفت بشكل من الأشكال الدعم أو الحماية المباشرة للتنظيمات الإرهابية الكردية، وكذلك الثوار يستطيعون القول إنها فرصة لالتقاط الأنفاس والتخلص من التحكم الأمريكي وقيوده، أما تنظيم الأسد أيضاً يستطع القول إنه حقق مكسباً، خاصةً وأن أمريكا هي الطرف الوحيد الذي يقض مضجعه”.

ويرى “بكور” أن ما يحكم كل هذا هو الطرف الذي سيملأ الفراغ في الأماكن التي ستنسحب منها أمريكا، وإذا سُلّمتْ المنطقة إلى الجيش الحر أو تركيا فربما يصبح هذا القول الفصل، وأضاف قائلًا: “برغم ذلك نعتقد أن هذا أيضاً سيجلب لتركيا مزيداً من الضغوط من الحليف الروسي الذي يطالب علناً بتسليم المنطقة إلى النظام وكذلك إيران، بينما تستطيع تركيا الضغط على إيران التي لن تكون ممتنة إلى توسع النفوذ التركي في سوريا مهما كان حجم التحالف المرحلي بينهما في “أستانا”.

“تستطيع تركيا بسهولة القول إنها ستمتثل إلى العقوبات الأمريكية على إيران، الأمر الذي سيسبب لها ضائقة قد لا تستطع تحملها، لكن ماذا ستفعل تركيا مع روسيا التي تدير بالفعل المشهد السوري من خلف ستار الأمريكي؟ أعتقد أن الموضوع قد يبدوا معقداً لكن كلما تعقدت الأمور بات هناك طريق أوسع للانفراج، وأعتقد أن الانسحاب الأمريكي من سوريا سيسرع مسار الحل.”

وفي قراءة أوسع للمشهد، أعرب “بكور” عن اعتقاده أن تنظيم الأسد سيخسر من خلال السياسة كل ما كسبه في الحرب، لذلك سيصر على ما يدعي أنه حرب على الإرهاب كي لا يمتثل إلى الحل السياسي الذي سيطيح بحكمه حتماً”، مضيفاً أن الوضع الدولي، وإن كان يبدو للمشاهد أنه يعيد إنتاج الأسد، إلا أنهم يريدون ضبط الأمور في سوريا في كيان ونظام موحد، ثم يضربون ضربتهم الأخيرة ويطيحون الأسد، سواء من خلال انتخابات أو قرار صادر عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة”.

وفيما يتعلق ببسط سيطرة هيئة تحرير الشام على كامل منطقة إدلب قال بكور: “بتقدم الهيئة في مناطق عديدة على حساب الفصائل الثورية السورية، تقدم مسوغاً لكل القوى للانقضاض عليها وتدميرها تماماً”.

إعادة تأهيل مؤسسات الدولة لا النظام

وفي تعليق منه على تطورات المشهد سياسياً وميدانياً، قال “محمد عدنان”، رئيس حركة سوريا السلام، لحرية برس: “إن ما أراه يدل على إرادة دولية لإعادة مؤسسات الدولة لا النظام إلى المناطق المحررة، وما يحدث في الشمال مثال واضح”.

ويرى “عدنان” أن ذلك سيتم من خلال تنظيف الأرض من فصائل الدولار وقادات الحرب والفساد وقطاع الطرق، وسيكون ذلك على أيدي فصائل التطرف (هتش)، ومن ثم سيتم اجتثاث فصائل التطرف المصنفة ارهابية وفق قرار أممي وتحت البند السابع لمكافحة الإرهاب، وسيُمنع النظام وإيران من الدخول إلى المناطق المحررة وستتولى كل من روسيا وتركيا حفظ الأمن والاستقرار”.

وتابع بالقول: “هكذا ستعود مؤسسات الدولة بإشراف روسي على كامل التراب السوري، الأمر الذي يمهد لانطلاق حل سياسي بقوة أمريكية تستخدم ذراعها الطويلة من البحر”.

وختم قائلاً: “بهذا السيناريو ستصبح سوريا آمنة عند إسقاط الأسد بالطرق السياسية، من قادات الحرب والدولار ومن الفصائل الإسلامية المصنفة أو غير المصنفة إرهابية، ومن عودة استخدام السلاح العشوائي”.

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل