هل خسرنا الثورة؟

زكي الدروبي18 يناير 2019آخر تحديث :
هل خسرنا الثورة؟

يطيب للبعض الحديث عن مؤامرات في معرض حديثهم التبريري لما يظهر أنه تراجع كبير في الثورة السورية على أدنى تقدير أو خسارة معركة الثورة مع النظام في أقصى تقدير، ويستشهدون بالمساحات الإضافية التي سيطر عليها النظام بمعونة مباشرة من الاحتلالين الإيراني والروسي، وبزيارات لوفود من هنا وهناك، وكان آخرها زيارة مجرم الحرب المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية عمر البشير، وإعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق، وما تلاها من إشاعات بأن هناك دولاً عديدة ستعيد علاقاتها الديبلوماسية مع النظام المجرم في سوريا.

ادئ ذي بدء لا أنكر التراجع الحاصل، ولا أنكر أن هناك أيدي خفية سعت باستمرار لإفشال الثورة السورية والربيع العربي، لكن هل كان هذا سيحدث لولا وجود الأرضية المناسبة التي يمكن لهم أن يبنوا عليها؟!

تعلمت من دروس التاريخ أن الجبهة الداخلية هي الطريقة المفضلة للخصم كي يهزمنا، ويعرف معظمنا قصة حصان طروادة، ويمكننا استذكار تجربة الفتنة التي حصلت في عام 1860 والتي تسببت بدمار كبير لصناعة الحرير الشامية، سواء في دمار مزارع الحرير في جبل لبنان، أو في تدمير ورش الصناعة بحي القيمرية الدمشقي، وها نحن نشهد تفكيك خطوط السكك الحديدية والمصانع والمنشآت الحكومية على يد قطعان من المرتزقة، هؤلاء ممن كان بعض كهنة الثورة يرفعون لهم القبعات بالتحية، لأنهم أصحاب عقيدة قتالية وأشداء في المعارك، ويمكن استخدامهم في القتال ضد نظام الأسد. كما تعلمت أن الدول مصالح، وأن الاقتصاد هو الأساس في بناء الدولة وقوتها وتطورها ونجاحها، وأن جميع الدول تبحث عن مصالحها، ويمكن أن نرى ذلك في الحروب الأوروبية البينية في قلب القارة الأوروبية، ومن ثم خارجها على المستعمرات، ومحاولة توسيع نطاق هيمنتها لتؤمن مواد أولية رخيصة لصناعتها، وتؤمن أسوقاً لمنتجاتها، ويمكن أن نرى ذلك أيضاً في الحروب التجارية والخلافات على المصالح بين الدول المختلفة كالصين وأمريكا والأخيرة وأوروبا … الخ.

ومع معرفتنا بأن حافظ الأسد لم يبنِ مشروعاً صناعياً واحداً، وكل المشاريع العملاقة التي بنيت في عهده كانت نتيجة عقود تم توقيعها قبل مجيئه إلى السلطة، ونفس السياسة اتبعها وريثه، باستثناء ما قام بإنشائه بعض أصحاب رؤوس الأموال – الذين اغتنوا بسبب قربهم منه وحماية نظامه لمصالحهم – من مصانع تحويلية بسيطة، يمكن لنا فهم السر وراء إطالة عمر نظامه، ومن ثم محاولات إعادة إنتاجه.

من هنا ليس غريباً على حكومات العالم أن تبحث عن مصالحها مع هذا النظام، الذي باعها ثروات البلاد كمواد أولية بأسعار بخسة، وتحول إلى كمبرادور “وكيل تجاري” لأصحاب المصانع في الدول الغربية يسوق لهم بضائعهم في السوق السورية، وليس غريباً خوفها ومحاربتها لقيم الحرية والمواطنة والديمقراطية التي تدعو لها الثورة السورية، لأنها ستنتج دولة ديمقراطية مستقلة بقرارها تبحث عن مصالح شعبها، وهذه الطريقة بالتفكير وإن كانت تنافي الأخلاق والقيم الإنسانية، إلا أنها واقع موجود لدى حكومات الدول التي أنجبتها الرأسمالية المتحكمة بقرارها، ولنا أن نعرف مثلاً أن كبار رؤوس الأموال الأمريكية والمتسببين بأكبر قدر من الضرر للاقتصاد الأمريكي هم من دعموا حملة كلاً من بيرني ساندرز من الحزب الديمقراطي ودونالد ترامب من الحزب الجمهوري في انتخابات العام 2016.

هذا الواقع تأخر سياسيو المعارضة في فهمه، ولم يدركوه مبكراً، وأذكر أن الأستاذ جورج صبرة كان يتحدث في ندوة عبر السكايب في مكتب المجلس الوطني السوري في القاهرة أن أمريكا خذلتنا ولم تطح بالأسد، فماذا نفعل؟!

لقد بنى من تصدر المشهد السياسي في بداية الثورة كل تصوراته على أن الغرب يؤمن بقيم الديمقراطية وسيطيح بنظام الأسد، وانخدعوا بتجربتي مصر وتونس، وتجربة المجلس الوطني الليبي، وكان جل اعتمادهم على الخارج، واستقووا به على أبناء الوطن وشركاء الثورة، ودفعوا الشارع نحو الانقسام، ونحو مهاجمة مؤسسات المعارضة المختلفة معهم في سعيهم نحو الهيمنة، بدلاً من القيام بتنظيم شباب الثورة، وتنسيق العمل الثوري بكل أجنحته المدنية والديبلوماسية والعسكرية. تركوا شعبنا في مخيمات البؤس رهينة المنظمات، وشيوخ الفتنة تجار الحروب الذين لم يفقهوا من دين عظيم كدين الإسلام سوى تعدد الزوجات وملك اليمين، بالإضافة إلى مراقبة الناس في ملبسهم ومأكلهم وهيئتهم، ولم يضعوا الخطط والبرامج لتنظيم هؤلاء البشر، ومنعهم من الانجرار وراء التطرف، ونشر الوعي السياسي لديهم، واستثمار الطاقات السورية، والكوادر والخبرات الموجودة للوصول إلى هدف الثورة السورية في إسقاط نظام الأسد القاتل لشعبه، والناهب لثرواته، والعميل للخارج، وإقامة نظام مدني ديمقراطي تعددي ينطلق بسوريا نحو المستقبل ويحقق السعادة لشعبها.

الثورة السورية لم تفشل، بل فشل هذا الشكل من العمل، هذه الطريقة من الإدارة، ولا زالت الثورة السورية جمراً يشتعل في صدور معظم المواطنين السوريين، وما حالات تصفية عناصر وضباط جيش الأسد وعملاءهم من مروجي المصالحات في الجنوب، والمظاهرات التي خرجت في درعا، والشعارات التي كتبت على الجدران في عدة أماكن من سوريا، إلا تعبير حقيقي عما هو موجود تحت أكوام من الإشاعات التي تحاول نشر الإحباط، والإعلان عن انتصار محور الشر على الشعوب، لكن هيهات، فمطالب الشعوب لا يمكن هزيمتها، وما نرى من تحركات على امتداد الساحة من المغرب إلى السوان ومصر والأردن والعراق وايران ولبنان و… ، إلا دليل على الاحتقان الموجود لدى شعوب المنطقة، والذي يتطلب حلاً حقيقياً ينقلهم من حالة الاستبداد والفساد والتبعية إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل