أظهر اعتداء مطار إسطنبول الأخير وجها جديدا من أوجه تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو مقاتلوه القادمون من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ويتحدثون بالروسية. وجه يشير إلى شراسة كان على التنظيم إظهارها في وقت يعاني فيه ضعفا من وقع الضربات المتتالية في العراق، من قبل الجيش النظامي المدعوم من التحالف الدولي، وفي سوريا من قبل الجيش النظامي أيضا والمدعوم من روسيا.
في 2012، انطلق طرخان باتيراشفيلي من منزله في جورجيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، في رحلة مهدت الطريق للهجوم الانتحاري الذي وقع الأسبوع الماضي في مطار إسطنبول.
يقول والده متذكرا قرار ابنه ترك قريته الشيشانية جورجيا والتوجه إلى تركيا ثم إلى سوريا، “قال لي: أبي يجب أن أشق طريقي في الحياة. هذه البلاد في غنى عني”. وقال تيمور إنه فقد الاتصال بابنه بعد أن اتصل به مرة واحدة من سوريا.
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة ومسؤولون أمريكيون إن باتيراشفيلي شكل قوة من المقاتلين المتحدثين بالروسية تحت لواء
تنظيم “الدولة الإسلامية”. ويرجح أن المجموعة القادمة من الاتحاد السوفيتي السابق التي قتلت عشرات الأشخاص في مطار إسطنبول يوم الثلاثاء الماضي تفرعت من هذه القوة.
ويقول مسؤولون أتراك إن المهاجمين المشتبه بهم تربطهم صلات بتنظيم “الدولة الإسلامية”، وإنهم من روسيا وجمهوريتي الاتحاد السوفيتي السابق أوزبكستان وقرغيزستان. وذكرت وسائل إعلام تركية أيضا أن أحمد شاتاييف، وهو شيشاني الأصل، يشتبه بأنه العقل المدبر للتفجيرات.
وكان هجوم مطار إسطنبول، الهجوم الأكثر دموية الذي نفذه متشددون من الاتحاد السوفيتي السابق خارج المناطق التي ينتمون إليها منذ تفجير ماراثون بوسطن في 2013 الذي نفذه شابان من أصل شيشاني هاجرت أسرة كل منهما إلى الولايات المتحدة.
وقبل انفجارات إسطنبول، كان نفوذ باتيراشفيلي، المكنى عمر الشيشاني وأتباعه القادمين من الاتحاد السوفيتي السابق، محسوسا في المناطق التي تسيطر عليها “الدولة الإسلامية” في سوريا. وصار باتيراشفيلي الرجل الثاني في “الدولة الإسلامية”، إذ يشار إليه في قائمة مطلوبين أمريكية نقلت معلوماتها عن فيديو “للدولة الإسلامية” في 2014 باعتباره القائد العسكري للتنظيم. وليس بالإمكان الوصول إليه وليس واضحا إن كان على قيد الحياة.
وجمع باتيراشفيلي حوله قادة من منطقة شمال القوقاز التي تسكنها أغلبية مسلمة في روسيا ومقاتلين من آسيا الوسطى يؤدون مهام كبيرة في التنظيم. وتشير صور نشرت على الإنترنت إلى أن علامات الطرق في المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية مكتوبة أحيانا بثلاث لغات هي العربية والإنكليزية والروسية، وهو ما يشير إلى أهمية دور المتحدثين بالروسية.
وفي كثير من الحالات، تأثر هؤلاء المقاتلون بالانتفاضات الإسلامية في بلادهم التي تركوها تحت ضغط الحملات الأمنية، وقد نالوا مكانتهم في “الدولة الإسلامية” من خلال مهاراتهم العسكرية وقسوتهم.
سيرة عسكرية
رحلة باتيراشفيلي إلى الجهاد في الشرق الأوسط مهمة وذلك للدور القيادي الذي تقلده وكذلك لأنه نموذج لشبان الاتحاد السوفيتي السابق الذين صاروا متطرفين. نشأ باتيراشفيلي في وادي بانكيسي، وهو منطقة نائية في جورجيا، أغلبية سكانها من طائفة كيست، وهم شيشانيو العرق جاء أجدادهم إلى جورجيا ذات الأغلبية المسيحية في القرن 19.
وعندما انتفضت الشيشان في تمرد مسلح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وقعت طائفة كيست بين المتقاتلين. ووصل آلاف اللاجئين من الشيشان إلى الوادي الذي استخدمه بعض المتمردين في إعادة التجمع والإعداد لهجمات.
باتيراشفيلي هو الأصغر بين ثلاثة أشقاء ولدوا في قرية بيركياني. والده مسيحي ملتزم ووالدته كيتو، ابنة لأب مسلم. وقال والد باتيراشفيلي في القرية في مايو/أيار في المنزل المتواضع الذي يعيش فيه بمفرده “لم تكن الديانة مشكلة في أسرتنا في أي وقت. دائما كنت أصلي في الكنائس الجورجية.”
انضم باتيراشفيلي للجيش الجورجي وخدم في وحدة للمخابرات الحربية. وشارك في حرب أغسطس/آب 2008 عندما هاجمت القوات الروسية جورجيا. ولكنه مرض بالسل وقال والده إنه فصل من الجيش بعد عامين من الحرب. عاد باتيراشفيلي إلى وادي بانكيسي، وقال والده الذي يدخن السجائر ويشرب الخمر “حاول أن يجد وظيفة أخرى لكن ذلك كان صعبا.”
وفي 2010، داهمت الشرطة الجورجية منزل الأسرة وعثرت على صندوق ملئ بطلقات الخرطوش. وكانت الشرطة تشتبه بأن لباتيراشفيلي صلات بالإسلاميين المتشددين الناشطين في الوادي، واتهم بحيازة أسلحة بشكل غير قانوني وقضى عامين في السجن وأفرج عنه بمقتضى عفو.
وقال والده إن ابنه قال للأسرة بعد خروجه من السجن وعودته إلى البيت إنه لا يرى لنفسه مستقبلا في جورجيا وإنه سيسافر إلى الخارج. وسافر إلى تركيا ومنها إلى سوريا حيث انضم للإسلاميين الذين يقاتلون لإنهاء حكم الرئيس بشار الأسد.
ويستنكر الوالد نشاط ابنه المتشدد. لكن أفراد الأسرة الآخرين أشادوا به. وقالت خالته أسماء بورشاشفيلي “خسرنا وطنيا كبيرا. ليس إرهابيا أبدا. هو بطل في نظر الكثيرين هنا.”
معركة المطار
برز الشيشاني في القتال ضد قوات الأسد للسيطرة على مطار منغ العسكري، وهو منشأة حربية مهمة في شمال سوريا.
وكان أحد قلائل القادة الإسلاميين أصحاب الخلفية العسكرية الاحترافية، وكان تحت إمرته في المعركة بضع مئات من المقاتلين، معظمهم من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. وظلت مجموعة الشيشاني والمجموعات القتالية الأخرى تهاجم المطار عدة أشهر بحسب مقاتل روسي اشترك في المعركة، وأضاف أن عددا من أصدقائه قتلوا. وقال المقاتل إن الهجمات شنت عشوائيا وكانت هناك خلافات بين القادة. ورغم ذلك، كسبت مجموعة الشيشاني ومعها المجموعات القتالية الأخرى المعركة في النهاية في منتصف 2013. وحوالى هذا الوقت انضم الشيشاني “للدولة الإسلامية”.
وكان الاستيلاء على المطار الذي ترك بعد ذلك للمقاتلين الأكراد أحد أكبر الانتصارات الأولى للمتشددين المتحدثين بالروسية، وساعدت الدولة الإسلامية في كسب الأراضي. وقال عدد من الجهاديين السابقين من روسيا إنه في هذه المعركة وما تلاها من معارك في سوريا والعراق قاتل المتشددون القادمون من منطقة شمال القوقاز -التي تضم الشيشان- بجانب مقاتلين من آسيا الوسطى.
وكانت الروسية وسيلة تواصلهم، ومن الطبيعي أنهم لم تكن لديهم حصيلة من العربية تكفي لفهم المقاتلين المحليين. ويقول المقاتل الروسي السابق إن الشيشانيين لعبوا الأدوار الرئيسية في مجموعة الشيشاني، وأضاف “إذا لم تكن شيشانيا ولك صديق شيشاني فإنه سيظل صديقا لك إلى أن يقابل شيشانيا آخر. بعد ذلك سوف ينساك.”
وبحسب مذكرة أصدرتها الحكومة الأمريكية التي عرضت ما يصل إلى خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للإيقاع به، كبرت مجموعة الشيشاني لتصل إلى 1000 مقاتل بنهاية 2013. وربما يكون الشيشاني ساعد “الدولة الإسلامية” في الاستيلاء على مدينة الموصل العراقية، وهو النصر الذي جعل التنظيم أكبر تهديد أمني إسلامي في الشرق الأوسط.
وجاء في مذكرة الحكومة الأمريكية أنه عند بدء معركة الموصل، أمر الشيشاني قوات “الدولة الإسلامية” بالتوجه إلى العراق من سوريا، وأعلن تعبئة عامة لدعم الهجوم. وتشير دلائل من أجهزة أمنية ومقاتلين إسلاميين إلى وجود متشددين من الاتحاد السوفيتي السابق في مدينتي الرقة والطبقة السوريتين ومحافظتي حلب وإدلب، وكذلك عبر الحدود في الموصل.
نقطة تجمع
بالنسبة للمتشددين من الاتحاد السوفيتي السابق، القتال للجهاد في سوريا والعراق أفضل من البقاء في بلادهم. لقد دفعت حملة أمر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شمال القوقاز المتمردين إلى الاختباء في الغابات الجبلية. وطبقا لمعلومات، سهل المسؤولون المحليون في جزء من شمال القوقاز هو داغستان سفر المتشددين المعروفين إلى الخارج لينتهي بهم المطاف في سوريا.
بالنسبة للمتحدثين بالروسية الذين يريدون الانضمام إلى “الدولة الإسلامية”، تركيا نقطة تجمع مهمة. فلا يحتاج الأمر لتأشيرات دخول للروس والقادمين من آسيا الوسطى. واستقر البعض في تركيا، وهم الذين لم يسافروا إلى العراق أو سوريا، أو قضوا بعض الوقت مع “الدولة الإسلامية”. وقال عدد من المقاتلين الإسلاميين السابقين إن هناك في ضواحي إسطنبول جماعات من المتحدثين بالروسية ممن اضطروا لترك بلادهم بسبب ميولهم الإسلامية.
وليس واضحا كم عدد المتشددين المتحدثين بالروسية في سوريا والعراق، لكن بيانات رسمية تظهر أن تدفق المقاتلين القادمين من روسيا وآسيا الوسطى لم يتوقف. في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال بوتين إن ما بين 5000 و7000 متشدد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق يقاتلون في الشرق الأوسط في صفوف جماعات متشددة. وفي يونيو/حزيران، رفع نيكولاي بوردوجا، الأمين العام لتحالف عسكري يضم عددا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، هذا التقدير إلى عشرة آلاف متشدد.
المصدر: رويترز – نص فرانس 24
عذراً التعليقات مغلقة