فارس أبو شيحة – غزة – حرية برس:
يتوسط “حمام السمرة”، ذو الجدران الرخامية القديمة التي تعود لأكثر من ألف عام مضت، حارات مدينة غزة القديمة، وهو أحد أقدم وأهم المعالم الأثرية والتاريخية، بعد المسجد العمري الكبير وسوق الزاوية وسط مدينة غزة، حيث يشكل متنفساً يلجأ إليه الكثير من أبناء القطاع هرباً من الأوضاع المعيشية الصعبة وجرائم الاحتلال الاسرائيلي التي يشهدونها كل يوم ،إضافة إلى الحصار الذي أنهك القطاع الفلسطيني.
يقول صاحب الحمام، “سليم الوزير أبو عبد الله” 68 عاماً، في حديثه لـ”حرية برس”، إن “حمام السمرة يعود تاريخ إنشائه إلى أكثر من ألف عام مضت، بدلاله اللوحة الرخامية القديمة التي تبين إعادة ترميمه على يد (سنجر بن عبد الله المؤيدي)، في عام 685 للهجرة، في أوائل العهد المملوكي”، ولم ترد أي وثائق تاريخية توضح تاريخ إنشاء الحمام.
ويضيف أبو عبد الله، إن الحمام يتكون من أربعة أقسام، المستوقد، حيث توقد النار لتسخين المياه، والإيوان، مكان جلوس الزوار للاستراحة بعد الاستحمام، حيث تكون درجة حرارة الجسم عالية ويفضل الجلوس فيه من ربع إلى نصف ساعة تقريباً، وقسم تبديل الملابس والتدليك بواسطة عدد من المختصين، وحمام البخار الذي تتراوح درجة الحرارة فيه من 55 درجة فما فوق.
المزيد من الصور حول: (“حمام السمرة” جدران عتيقة تحتضن أصالة وحضارة “غزة”)
وأوضح “الوزير” أن “الفوائد القيمة التي يقدمها الحمام للجسم كثيرة، من حيث تنشيط الدورة الدموية والحفاظ على الذاكرة وتقويتها، إلى جانب تفتيح مسامات الجلد وإرخاء العضلات والعظام في الجسم وعلاج الخشونة في المفاصل، بالإضافة إلى تقوية جهاز المناعة وحرق الدهون وإخراج السموم من الكبد والجسم وعلاج البرستاتة وغيرها”.
وبين الوزير أن “الأدوات القديمة المستخدمة في الحمام ما تزال تستخدم حتى اللحظة، مع تطوير الأدوات المستخدمة والمتعلقة بالصابون والبشاكير والحاجات الثانوية، فضلاً عن وجود عدد من أخصائيي التدليك.
ودعا أبو عبد الله الأهالي إلى زيارة حمام السمرة لما يمثله من عادت وتقاليد قديمة للحضارات والأمم التي سكنت وعاشت في قطاع غزة، آملاً من الجهات المعنية الحفاظ على هذا المعلم الأثري القديم.
من جهته يقول “أبو العبد”، أحد أهالي القطاع، إن حمام السمرة مكان جميل وأثري يجسد المعالم التاريخية القديمة والحضارات التي جاءت وسكنت فلسطين، والدليل على ذلك وجود ذلك المعلم في أحد أزقة وحارات مدينة غزة القديمة. “أشعر بالراحة النفسية عند دخولي إلى المكان، حيث أستعيد النشاط والحيوية من جديد بعد البخار المفيد للجسم الذي يخفف آلام الظهر والمفاصل نتيجة الإرهاق من العمل”.
ويقول المؤرخ التاريخي والمحاضر في الجامعة الإسلامية في غزة، “غسان وشاح”، في حديثه لـ”حرية برس” إن “الحمام سُمّيَ بهذا الاسم نسبة إلى الطائفة السامرية التي عاشت وسكنت مع المسلمين في قطاع غزة، ولكن في العهد العثماني انتقلت إدارته إلى عائلة (رضوان) التي اشترته بمالها من السامريين، ومن ثم انتقل في العصر الحديث إلى عائلة (الوزير) التي ما تزال تحافظ على ذلك المكان إلى يومنا هذا”.
وبين “وشاح” أن “بناء الحمامات كان تقليداً منتشراً في بلاد الشام منذ عصر الدولة البيزنطية في فلسطين (324م-636م)، وكانت تبنى في كل منطقة مأهولة بالسكان، حتى انتقل هذا التقليد إلى الحكم الإسلامي الذي أضاف إليه الأشكال الهندسية الإسلامية مثل القباب والزوايا وغيرها”.
وأشار المؤرخ “وشاح” إلى أن “حمام السمرة كان جزءاً أساسياً من مراسم حفلات الزفاف في الماضي، سواء للعريس أو العروس، حيث كانت العائلات تصطحب العرسان إلى هذا الحمام في أجواء احتفالية، وهي شبيهة بالحمامات السورية القديمة التي تناولتها عدة مسلسلات تاريخية”.
وتبقى المعالم التاريخية شاهدة على ماضي الفلسطينيين وواقعهم وحضارتهم، حيث يضم قطاع غزة بين جنباته عديداً من المعالم التاريخية والأثرية القديمة كالمسجد العمري الكبير والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية وقصر الباشا وغيرها.
عذراً التعليقات مغلقة