لجين مليحان – حرية برس:
أصدر الرئيس الأمريكي ’’دونالد ترامب‘‘ قراره بانسحاب قواته من سوريا، القرار المنفرد الذي اتخذه دون استشارة الحلفاء وكبار أركان قيادته أصبح حديث الجميع ومسار التحليلات في الصحافة العالمية وبين الخبراء الاستراتيجيين.
وحول الانسحاب الأمريكي وتداعياته ومن الخاسر والرابح منه، ومدى تأثر المنطقة به، رأى الخبير الاستراتيجي العميد ’’أسعد عوض الزعبي‘‘ في حديث خاص لـ’’حرية برس‘‘ أن الانسحاب الأمريكي من منطقة هامة وذات متطلبات خاصة بأمن أمريكا و’’إسرائيل‘‘ لم يكن إلا بعد مناقشات مستفيضة بين الطرفين، وربما حضور طرف آخر، وبالتأكيد يوجد ثمن لهذا الانسحاب، لا سيما أن واشنطن لم تتعود على الانسحاب دون ثمن، ولم تتعود على اتخاذ هكذا قرار دون أن تحصد بداية مكاسب أضعاف تواجدها أيضاً.
وأوضح الزعبي أنه لم يكن للقوة العسكرية الأمريكية من الناحية العسكرية أي مردود في الهجوم أو في الدفاع، لأنهم كانوا غطاء فقط لفصائل آخرى، معتبراً أن واشنطن ليست بحاجه إلى التدخل المباشر، فقد أصبحت تعتمد على توكيل من يقوم بالمهمة وتتولى هي التغطية أما بقرارات وتهديدات أو تواجد رمزي.
الخبير الاستراتيجي العميد ’’أحمد الرحال‘‘ أبدى اعتراضه في حديثه مع ’’حرية برس‘‘، على ما يتم تداوله من أن الانسحاب الأمريكي من سوريا هو هدية من ترامب إلى بوتين الذي ساعده في الانتخابات، موضحاً بذلك ’’لا أعتقد أن قرار الرئيس الأمريكي هو رد الجميل لموسكو لأنه سوف يورط ترامب أكثر مما هو متورط، كما أن محامي ترامب قام بعقد صفقة مع القضاء الأمريكي للإدلاء بأية معلومات بحوزته مقابل تخفيف الحكم عنه، ونفس الأمر ينسحب على المستشار السابق للأمن القومي الذي وقع على نفس الصفقة مع القضاء الأمريكي، وهو مستعد لقول كل شيء مقابل تخفيف العقوبة عنه‘‘.
وبحسب الرحال، فإن كل ما استطاع ترامب فعله هو تأجيل النطق بالحكم بقضية التجسس وقضية الاختراق الروسي لشهرين فقط، مضيفاً ’’كلنا نعرف أنه في أمريكا فإن القانون السائد هو قانون الصفقات، أي يمكن أن نرى غداً صفقة مع ترامب لإخراج الأمر دون توريطه والإساءة له مقابل مواقف تحسم الصراع مع موسكو، حيث ترى الاستخبارات الأمريكية ووزارة الدفاع، ومعظم أعضاء الكونغرس والبنتاغون، أن روسيا هي الخطر رقم واحد على الولايات المتحدة الأمريكية‘‘.
واعتبر الرحال أنه على ترامب الابتعاد عن هذه السياسة، لا سيما أن العلاقة الشخصية بين ترامب وبوتين اقتصادية كانت أو سياسية يجب أن تخدم أمريكا أولاً، نافياً أن تكون عملية الخروج من سوريا إرضاء أو دين معتقداً بأنها في اتجاه آخر.
وحتى لو افترضنا أن موسكو التي تهلل لهذا القرار ستستفيد منه، لأنها ستجد نفسها بعد مدة في ورطة، بعد أن كانت تلقي بتهم التعطيل كعدم القدرة على ضبط الأمور، وعدم وجود الحل السياسي، وعدم القدرة على قتال تنظيم ’’داعش‘‘ (…) على الولايات المتحدة، وستجد نفسها الآن مسؤولة وهي لن تستطيع فعل هذا الشيء، كما وصف الخبير الاستراتيجي.
ما دوافع الانسحاب الأميركي؟
يرى الزعبي أن هناك أكثر من طرف يهتم في المنطقة، لذا فإن انسحاب القوات الأمريكية يعني خلق صراع بين عدة أطراف جميعهم أعداء لواشنطن تستطيع التخلص منهم، وأيضاً لا يمكن للولايات المتحدة مساعدة الأكراد بإقامة دولة مستقلة والانفصال عن سوريا، وبانسحاب قواتها تعطي المبرر بعدم قدرتها على مساعدتهم في هذا، وبالتالي تترك الأطراف تتصارع من أجل مصالحها، ويتم نسيان مصالح الأكراد الذين لا يستطيعون الاعتراض، إنما قد يشتركوا بالقتال لصالح أحد الأطراف، وبهذه الحالة فإن مصالح ’’إسرائيل‘‘ بالكامل قد تحققت، فلا يوجد دولة أو جيوش في سوريا والعراق والجميع ضعيف والجميع ضد بعضهم البعض، مؤكداً أنه بعد انتهاء صراع هذه الأطراف ستدخل الولايات المتحدة ’’لفصل الصراع وتستولي على الإرث كاملاً‘‘.
فيما يستبعد الرحال الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى للفوضى في المنطقة، لأن الإنجاز التي قامت به خلال أربع سنوات تحاول أن تستثمره بعلاقة مع تركيا تعيدها من الحضن الروسي، وتخلق خلافاً بينها وبين إيران من أجل توظيفها في الحرب القادمة أو المواجهة القادمة لتحجيم الدور الإيراني، وبالتالي فإن هناك تقارباً بين أنقرة وواشنطن تدركه موسكو تماماً، وسوف تحاول دائما أن تحافظ على العلاقة مع تركيا، وستكون الاجتماعات القادمة مهمة جداً سواء في روسيا أو أمريكا لوضع التصورات والترتيبات والتنسيق للانسحاب الأمريكي.
ويرى الرحال أن تركيا لن تتنازل مطلقاً عن الإرث الذي سترثه من أمريكا، مشيراً إلى وجود وفد تركي سياسي عسكري استخباراتي يزور روسيا لبحث التفاصيل الفنية المتعلقة بهذا الانسحاب، وأن هناك اجتماعاً في الثامن من الشهر القادم في واشنطن وسيزورها الوفد العسكري التركي السياسي والاستخباراتي نفسه، وفيه سيتم التأسيس أو شرح خطة العمل القادمة.
بينما يعتقد الزعبي أنه لن يكون هناك أي صراع مسلح بين أمريكا وايران إنما تبادل تهديدات فقط، لأن كلاً منهما يكمل الآخر في خدمة المصالح الصهيونية العالمية.
وعن العلاقة التركية الروسية الإيرانية، اعتبر الرحال أن الروس لن يستطيعوا تجاوز الموقف التركي والإخلال بالعلاقة معها، حيث تلعب تركيا اليوم دوراً محورياً في المنطقة، مرجحاً أن عام 2018 كان العام التركي كما كان عامي 2016 و2017 أعوام روسية وسيكون عام 2019 تركياً أيضاً، متصوراً أن بوادر خلاف روسي إيراني بدأت ملامحه اليوم بنوايا روسيا بإغلاق ’’الكاريدور الإيراني‘‘ في المنطقة الشرقية، أو ما بين التنف والبوكمال.
منبج في ساحة الصراع
يعتقد العميد الرحال أن منبج قضية ’’تحصيل حاصل‘‘، أو يمكن القول أنها ’’جزئية أمام شرقي الفرات كله‘‘، حسب وصفه، وما حصل عبارة عن نوع من جس النبض من قبل نظام الأسد باعتبار أنه لم يحصل على الضوء الأخضر من الروس وهم غير قادرين على إعطاءه الضوء الأخضر لدخول منبج، وبالنهاية سيفرض توافق ثلاثي ما بين موسكو وواشنطن وأنقرة.
ويرى الخبير الاستراتيجي أنه لا يمكن لموسكو أن تخل بالعلاقة مع تركيا لإرضاء نظام الأسد من أجل منبج، كما أن روسيا لم تعرقل علاقتها مع تركيا من أجل إدلب حتى تفعل ذلك من أجل منبج، والنقطة الأهم والتي تثبت أن النظام يستعرض من خلال قوله أنه دخل إلى منبج هو تواجد القوات الأمريكية والفرنسية، ووجود الحوامات الأمريكية والفرنسية في سماء منبج في ذات اليوم الذي قال النظام أنه دخلها فيه.
ويعتقد الخبير الاستراتيجي أن ’’الأمريكان أعطوا الأتراك تعهداً بما يخص شرق الفرات ومنبج بأننا سنقوم بتسليمكم المنطقة دون سلاح، بحيث يتم سحب السلاح الثقيل من مليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وسيتم إبعادهم إلى جبال قنديل‘‘.
وحول خيارات الأكراد يرى الرحال أن أمامهم طريقان لا ثالث لهما، فإما أن يذهبوا إلى نظام الأسد أو يقفوا مع إخوانهم السوريين بشرط التخلي عن الانفصال وإبعاد المليشيات عن الطريق، ويكونوا مع الشعب السوري يداً واحدة، لتحقيق هدف واحد وهو إسقاط النظام، مضيفاً ’’لا تختلف المناطق الكردية عن المناطق العربية، كلنا شركاء في الوطن، ولا ننسى أن عامودا أول من خرج نصرةً لإخوانهم في درعا، وأن أهل القامشلي خرجوا نصرةً لإخوانهم في حمص، ولا ننسى الشهيد مشعل تمو، مشعل الثورة السورية، يجب أن نكون جميعاً في خندق واحد ضد نظام الأسد‘‘.
Sorry Comments are closed