كان خبر خروج أول مظاهرة في درعا البلد يوم الجمعة الماضي بعد التسويات الأخيرة لافتاً، ربما لرمزية “مهد الثورة السورية” أو لأنها خرجت من المكان ذاته الذي انطلقت منه شرارة الإحتجاجات الأولى في الجامع العمري الذي دمرت مئذنته وتعرضت أجزاء منه للدمار بسبب القصف العنيف، الذي تعرضت له مدينة درعا التي كانت خارج سيطرة النظام .
من الركام وبين البيوت المدمرة ووسط غياب الكثير من أهل درعا البلد بين شهيد ونازح ولاجئ ورغم التسويات والظروف المأساوية الحالية التي وصلت لها البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب كسرت درعا البلد الصمت من جديد لتصفع كل آمال النظام العريضة بالانتصار الساحق الذي يتباهى به كل لحظة بالقضاء على “الإرهاب” وعودة الأمن والأمان.
من البداية وصم النظام الثوار بالارهابين والمندسين والمخربين، وعبر كل وسائل إعلامه أحتفل ومازال يحتفل بالقضاء عليهم وإعادة سوريا كما كانت قبل تمردهم ،فهل ياترى عادت سوريا إلى ما قبل 2011؟
كل إنسان عاقل يعلم علم اليقين أن عقارب الساعة لاتعود إلى الوراء، انتصار النظام عسكريا بعد إدارته لحرب شاملة مجنونة تلقى فيها كل الدعم من روسيا وإيران ومرتزقتهم وطائراتهم وأسلحتهم وتهجير نصف الشعب وسيطرته على أرض مدمرة دفن تحت ركامها آلاف الضحايا لن تصمت من جديد مهما حدث، إلا عندما يتم تفريغ الأرض من سكانها سيكون هناك فرصة أكبر للتحكم بمن بقى منهكين متعبين بعد 8 سنوات لا قدرة ولا طاقة لهم على الاعتراض كما حدث في حمص وحلب والغوطة والزبداني.
لماذا درعا الوحيدة التي ترتفع أصوات هنا وهناك من بلداتها وقراها منذ التسوية الاخيرة ولم يحدث هذا في كل من الغوطة وحمص وحلب مثلا؟
التسوية التي طبقت في درعا مختلفة، حيث تم تطبيق تهجير ممنهج ومتعمد للشرائح الأكثر أهمية من الشعب المدني، والشباب والنساء والإعلاميين والناشطين والفئات التي من الممكن أن يكون لها أي دور مهما كان صغيراً على المستوى الإجتماعي والشعبي، في كل من حلب وحمص والغوطة والزبداني ومناطق عدة، وطبق بشار الأسد حرفياً ما قاله في إحدى مقابلاته أنه حصل على سوريا المتجانسة التي يريدها والتي يمكن إدارتها.
لماذا لم يطبق الخطة ذاتها في درعا؟
بالطبع لو كان النظام الحاكم الفعلي والمتصرف في كل قراراته كان سيهجر الجميع كما حصل مع باقي المدن الثائرة ولكن لم يستطع أن يفعل ما يريد، روسيا كانت المشرفة على المفاوضات من البداية للنهاية دون أن يكون هناك أي وجود للنظام لعدة أسباب، الموقع الجغرافي الذي تتواجد به محافظة درعا وقربها جغرافيا من “إسرائيل” وحدودها مع الأردن وقربها من دمشق له الدور الأكبر، لن تسمح “إسرائيل” والأردن معا بوجود أي فراغ أمني تغطيه إيران، لأن “الجيش السوري” كما بات يعلم الجميع يعاني نقصاً هائلاً في الأعداد ولن يتمكن من الحفاظ على منطقة شاسعة لوحده، وروسيا التي تسابق الزمن لتنتقل من مرحلة الحرب إلى مرحلة الانتقال السياسي تحتاج للسكان الذين يعطون شرعية ضرورية في الأيام القادمة للنجاح في عملية سياسية تقنع بها الغرب، مهما كانت مشوهة ولكنها تضم بعض المعارضة والوجوه الجديدة، والنتيجة كانت خروج عدد قليل جداً من الشباب إلى الشمال فيما بقي في درعا الكثير من الشباب وقيادات فصائل ومسؤولين سابقين في الإدارات المحلية وهو ما لم يحدث في أي مدينة خضعت لشروط التسوية والمصالحات.
ماهو تأثير هذه المظاهرة الصغيرة العدد وسط الأبنية المدمرة؟
في الحقيقة التأثير أكبر مما نتخيل، النظام وروسيا يجهزون أنفسهم لطي صفحة الاحتجاجات والحرب معا، والانتقال بالبلد التي ظنوا أنهم كسبوا رهان إركاع أهلها، الذين لا همّ لهم الآن سوى العودة لما تبقى من بيوت مدمرة وترميم حياتهم من جديد، ولكن لأن النظام السوري لن ولم يتغير قيد أنملة رغم كل ماحدث ،فقد خلَف بكل بنود التسوية في درعا وبدء بحملة اعتقالات وسوق عدد كبير من الشباب إلى الجيش والتضييق على الناس، معتقداً أن الناس لم يعد لديها حول ولا قوة ولن ترفع صوتها بعد الخراب الكبير لمئة عام من جديد.
ولكن الأرض يرتفع صوتها بأهلها وما داموا لم يغادروا فصوتهم سيبقى يرتفع بمظاهرة في درعا البلد، في كتابة شعارات الثورة الأولى في بلدة المزيريب الشهر الماضي ،في ضرب عناصر الجيش لأنهم قاموا بملاحقة فتيات عائدات من المدرسة، التغيير ليس ثورة فقط، التغيير ليس شعارات وأعلام وتجمعات، التغيير حصل وانتهى من اليوم الأول والنتائج الإيجابية ستظهر في الوقت الذي يرتب الشعب المكلوم نفسه لبداية أخرى بما لا تشبه ثورة الكرامة بأدواتها ولكنها تطبق شعاراتها وتنفض عنها كل ما يلوثها وكان دخيلاً عليها.
Sorry Comments are closed