مصطفى عباس – حرية برس
“سيتنازل السوريون عن أفكار الأحلام الكبرى في العدالة والحق والحرية، وسيكتفون بحلم الأمان في مكان يقيهم من الخوف، الخوف الغريزي الذي يشعر به المتشرد والمحروم من أمن البيت”.
هذا مقتطف من رواية ” عمت صباحاً أيها الحرب” الصادرة عن دار المتوسط عام 2017 للكاتبة مها حسن.
العالم شريك في قتلنا
الرواية رغم أن عنوانها يحمل في معناه المباشر تحية للحرب، التي استطال شررها وخلفت وراءها ملايين المشردين والقتلى والمفقودين، إلا أن الكتاب يحمل في ثناياه كل شتم للحرب، وللمجتمع الدولي الذي لم يتدخل في البداية لمصلحة السوريين، حتى أحال ثورتهم إلى حرب، لا يعرفون فيها من معهم ومن ضدهم،” العالم شريك في قتلنا، كثر ذباحونا، لو أن العالم وقف معنا منذ الشهور الأولى وحمانا من النظام لما ظهرت الرايات السود”.
سيرة ذاتية
هي سيرة ذاتية محضة تتكلم عن تشرد أفراد العائلة وتفككهم في ظل الثورة وتتناول المنزل من معناه الوجودي، في ظل التشرد وعدم الاستقرار، وضياع الخصوصية، فهو ذلك المكان الذي لا يشعر المرء بالراحة إلا فيه، والذي استغرق سنوات وسنوات حتى يبنيه أصحابه في حي من أحياء العشوائيات المنتشرة بكثرة حوالي المدن السورية، ولكن قذيفة من النظام أو حتى المعارضة كافية لجعل أعلى هذا البيت سافله، ولكم كان أصحابه محظوظين إن لم يكونوا بداخله قصفه، فهم لن يموتوا تحت الأنقاض، ولكنهم سيبقون عمرهم كله يبكون هذا المنزل، “حنينهم الأول”.
أبطال الرواية
تتكلم الرواية بشكل رئيسي عن أربعة أشخاص هم الكاتبة مها حسن التي تسرد الكثير من سيرتها الذاتية فيه وتبثه الكثير من البوح الذاتي المتعلق بالهوية وهمومها، “في فرنسا يرونني شرقية مسلمة، وفي سوريا كان أغلب معارفي يرونني مغايرة عنهم، ولدى الأكراد أنا مستعربة، أكتب بالعربية، وكأنني منشقة أو خائنة لقوميتي”.
وأمها صاحبة المنزل التي أبت مغادرته، حتى طالته قذيفة من المعارضة أحالت بيتها ركاماً، ولكنها نجت من الموت حينها، بل ماتت قهراً عليه بعد ذلك، ولكنها ظلت تسرد الأحداث في الرواية حتى في قبرها، كشهريار في ألف ليلة وليلة، ” أحسد أمي أنها مدفونة في بلدها، حتى إن أشرفت على غسلها وتحضير كفنها امرأة مأجورة لهذا العمل، ولكنها أيضاً لم تحرم من معارفها الباقيات هناك”.
الارتداد إلى الهويات الضيقة
الشخص الثالث الذي تتناوله الرواية هو أخو الكاتبة واسمه حسام، ذلك المعارض والناشط السلمي الذي رفض حمل السلاح، واضطر للهروب من حيه “حي الخالدية” في حلب كي لا يقع في قبضة النظام، ولكنه وقع معتقلاً لدى المعارضة التي ينتمي إليها، لأنه من مواليد عفرين، وحينها كانت عفرين تحت قيادة حزب العمال الكردستاني هي التي تفك الحصار الذي تفرضه المعارضة على قريتي نبل والزهراء المواليتين، ولكن حسام لم يكن يعرف من عفرين إلا اسمها، فهو لا يشعر بالانتماء إلا إلى حي الخالدية الذي أحبه، ولولا أحد أصدقائه من ذات الحي لما أطلق سراحه، وهنا كان مجبوراً على الارتداد إلى “هوية ما قبل الوطنية”، ورغم هذا كان يخشى أن يقع في يد “البي كي كي” كي لا يعتقلوه فهو محسوب على المعارضة السورية، ولو أطلقوا سراحه فسيزجون به في معارك لا ناقة له بها ولا جمل.
تفاصيل رحلة التشرد
حينها كانت عملية أسلمة الثورة قد بدأت فشعر حسام بأنها لم تعد تشبهه فاضطر لمغادرة سوريا إلى تركيا، ومنها إلى اليونان عبر البلم المطاطي فالسويد، وهنا تسرد الرواية الكثير من اليوميات التي يصبغها التشرد بلونه القاتم الحزين والمليء بالقهر، حيث أن حسام رُفض طلب لجوئه في السويد بسبب صدقه الزائد عن اللزوم فهو قد بصم في اليونان، ولكن كان بإمكانه تزوير الكثير من الأوراق وبالتالي كسر البصمة، ولكنه لم يفعل، فانتهت الرواية عندما جاءه قرار الطرد من السويد، ولم يصل إلى الاستقرار في بيته المنشود.
مؤيد قصف بيته النظام
تتناول الرواية كذلك أخاها المؤيد الذي قصف له النظام بيته وأحاله ركاماً، وعند سقوط حلب عام 2016 بيد النظام الذي تحل هذه الأيام ذكراه الثانية شَمِت هو وزوجته بـ مها التي أسمتها زعيمة العصابة في فرنسا، زوجة الأخ سعيدة بهذا الحدث، لأنها ستتمكن من الاستحواذ بمفردها على مكان البيت المهدم وإعادة بنائه، ولن يعود باقي أفراد الأسرة من تشردهم ” جميعهم وقفوا ضدنا، وقفوا ضد السيد الرئيس وجميعهم خسروا الآن”.
* عن الكاتبة
Sorry Comments are closed