عودة الأصنام إلى البلاد المقطّعة

عمر الشيخ23 ديسمبر 2018آخر تحديث :
عودة الأصنام إلى البلاد المقطّعة

لن يُسقط التاريخ من مفكرته يوماً كيف كانت أولويّات القاتل أن يعيد رموز جريمته إلى ساحات المُدن المُهجّرة من أهلها. وكيف تابعت زمرته الموالية مشاهد رفع الرّايات المتنوّعة للطوائف والجيوش فوق ركام البيوت وصرخات القهر الأولى. ويظن هؤلاء أنّهم سوف ينعمون بالبلاد “المُتجانسة” حيث اسُتخدم القصف بأنواعه والقنابل بمختلف سمومها والطائرات كانت تستعدّ منذ “الحركة التصحيحيّة” لاستهداف عدو واحد هو: حريّة الشّعب المُنتفض.

يشكل إعادة عشرات أصنام “حافظ الأسد” إلى بعض السّاحات من المدن التي هجّرت قوات النّظام السّوري برعاية حلفائه، أهلها، فجوةً تاريخيةً في التوصل بين السّوريين إلى حلّ. ذلك أن معسكرات الأسد تعتبر تلك الخطوات انتصاراً (…) مع إضافة بعض مداميك الإسمنت الإيرانيّ المُسلّح ورفع أسقف المُصالحات الروسيّة، وضخ دماءٍ جديدةٍ واضحة في الألم السّوري هي: الطائفيّة المتوحشة والانتقام المطلق من الآخر-السّوري.

إنّها ذات الأصنام الّتي تُشكّلها باقي أطراف الصراع في سوريّة، مع اختلاف طفيف، مثلاً في “درع الفرات” وعفرين ثمّة أسماء مناطق وساحات باللغة التركية، الآن! وجامعات وأقسام شرطة وبريد وخدمات اتصالات، كلها بتوقيع صنم آخر هو الرئيس التركي رجب أردوغان. إذ لا تحبّذ زمرة الموالين للوجود التركي وفرض مصالحهِ، انتقاد حامي “السُنّة” كما يحلو للبعض تسميته. وكذلك البلاء الشّيعي في شرق سوريّة وريف دمشق وعلى في القرى المتاخمة لحدود لبنان، هناك صنم العمامات السّوداء والطقوس المستفزة للطوائف الأخرى، تلك العادات الجديدة المُفرطة في تشبيحها لولاية الفقيه.

وأخيراً يشهد معرض للأسلحة والغنائم الّتي أخذتها روسيا من قوات المعارضة المستسلمة لها، إلى موسكو على أنّ كل التّأليه لرأس النظام السوري لا يشكل ثقلاً لدى توجهات فلاديمير بوتين، ذلك أنّ المعركة هي معركته هو وليست شأناً داخليّاً سوريّاً كما يقال! والنقطة الخطيرة هنا هي تقديم موقف مباشر للرأي العام يؤكد مدى هدوء الرّوس في صناعة أصنام انتصاراتهم واحتلالهم الطويل لسورية، فجزء كبير من أسلحة المعارضة، بات هناك على الأرض الروسية مصلوباً كشهادة تاريخيّة وغنائم حرب من أعداء روسيا (مُسلحي المعارضة وفصائلها الإسلاميّة) وكلّ من يعصيها سوف يتم تحنيطه هكذا وبمنتهى الوضوح ومهما كانت الدول داعمة له في سورية، فالميدان والجو بيد الرئيس “بوتين” فقط!

ويشهد تراجع الوجود الأمريكي وتخبّطه الأخير شمال سورية، على أنّ الأكراد الّذين كانوا يسعون إلى كيانٍ منفصلٍ، وأول ما فعلوه بعد أن طردت أمريكا “تنظيم الدولة الإسلامية” من الرقة هو رفع صورة “عبد الله أوجلان” وسط مدينة الرقة. تكريساً لمفهوم الصنم، بدلاً من أن يرفعوا علماً فقط يدل على فكرتهم الّتي تؤول للسقوط اليوم بعد أن تفاهم أردوغان المسيطر على معظم فصائل المعارضة، مع بوتين المُتحكّم بكلّ شبر في سورية الأسد، من أجل جعل واشنطن خارج لعبة الملف السّوري إلى أجل غير مسمّى، ربما! بالمحصلة لم ينقل كلّ هؤلاء السوريين المتصارعين على السلطة سوى أصنامهم السّياسيّة والعسكريّة والعقائديّة، بعيداً عن سورية الحرّة الموحّدة!

إنّ تعاقب تبديل الذهنيّة العبوديّة في تقديس الزعماء والرموز بمعزل عن كرامة الفرد، لهي السلّ السّوري الّذي تناقلته الثّورة السّوريّة وباقي أطراف الصراع. فالناس تتقاتل فداءً لشخص، لكائن بشري، مخلوق ليس ساحراً أو نبياً وصاحب قدرات إعجازيّة! متوحش، ربما، ولكنّه بكلّ الحالات هو كاشفٌ حقيقي لمقدار الوعي الاجتماعيّ والإنسانيّ المُتآكل في العقليّة السوريّة الراهنة، والأمر ينطبق تماماً على هؤلاء الّذين ينظرون إلى الشّيوخ والدّعاة و “الشّرعيين” كأولياء لله على الأرض (…) ولا يعصون لهم أمراً، مهما كانت قيمة النتائج مؤذية لوجودهم كبشر، حتى دفعهم للانتحار بمفخخات وأحزمة ناسفة كدليل قطعي على العنف الجبّار الّذي ينتظره الآخر من هؤلاء.

إذاً أصنام لدكتاتور قديم فوق ركام البيوت بتوقيع النظام، وأراضٍ سوريّة تغيّر ملامحها إلى الهويّة التّركيّة بتوقيع المعارضة، ومساحات شاسعة تحمل قوميّات الانفصال الواهم بتوقيع الأكراد، ومعسكرات “جهاديّة” بتوقيع سيل من أمراء “تنظيم القاعدة” الإرهابي، في مناطق المعارضة… ثم يستفزنا انتهاك السيّادة في البلاد المقطعة!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل