انتشرت بين السوريين لغة الشماتة بالإخوة الأكراد، بعد التصريحات الأمريكية الأخيرة التي تتحدث عن انسحاب قواتهم من المنطقة، بالتزامن مع التهديدات التركية بعملية عسكرية في شرق الفرات، وعادت مرة أخرى كلمات الإهانة الموجهة إلى قسم من الشعب السوري بسبب انتماءهم للقومية الكردية، مستخدمين مهنة (البويجي) للسخرية منهم، وكأنها مهنة معيبة مع أن العمل ليس معيباً، بل العيب في العقل العفن الذي يفكر بهذه الطريقة بعد كل هذه السنوات من الثورة السورية، وبعد كل التضحيات المقدمة من السوريين، عربا وكردا وسنة وعلويين وشيعة ومسيحيين ودروز…
في النظر إلى بعض النظريات في الاستراتيجيات المسيطرة على العالم، نجد نظرية يعتقد أصحابها أن السيطرة على “أوراسيا” – وهي المنطقة التي تجمع أوروبا مع آسيا وتسمى قلب العالم – يسمح لهم بالسيطرة على العالم ككل، وفي نقاش هذه النظرية نجد فيها بعض المنطق، فمنطقتنا شرق أوسطية، وهي قلب “أوراسيا” التي تعني التقاء الشرق مع الغرب والجنوب مع الشمال، وخطوط الغاز والبترول والنقل والتجارة كلها تمر من بلادنا، أضف إلى ذلك الثروات الباطنية والعقلية والسوق الواسعة و… الخ، وكلها أمور تثير شهية اللصوص وقطاع الطرق ناهبي ثروات الشعوب.
لهذا نجد أن شخصا مثل بريجنسكي وهو مستشار الأمن القومي الأسبق للرئيس الأمريكي كارتر، دعا إلى إعادة صياغة المنطقة، بحيث يتم بناء الدول القومية الدينية وليس الدولة الوطنية، دولة للشيعة ودولة للأكراد ودولة للسنة وللعرب و… ، بهدف خلق صراعات لا تنتهي بين هذه الدويلات، مما يؤدي إلى إضعافها واستعداد قادة تلك الدول للخضوع للهيمنة الأمريكية مقابل مساعدتهم في القضاء على جارهم أو حمايتهم منه، كما نشهد اليوم في الضعف السعودي أمام الابتزاز الأمريكي، ويدفع هؤلاء القادة الثمن لأمريكا من قوت شعوبهم وثروات بلادهم، ويتحولون لمستبدين في صورة رموز دينية أو قومية، لا في صورة قائد سياسي يقود البلد لمرحلة معينة، لينتخب بعد ذلك شخص جديد يتابع العمل في خدمة الوطن كما في كل الدول المتقدمة، وتكون الصرعات بين هؤلاء صراعات غير أخلاقية، فهي صراعات قومية أو دينية مذهبية أنتجها أموات يسكنون القبور منذ مئات السنين، وليست صراعاً أخلاقياً بين لص مرتش وبين شريف، وليست صراعاً من أجل نيل الحرية من قوى الاستعمار والنهب المنظم لبلادنا، لهذا فشعوب العالم في الدول المتقدمة صاحبة التأثير لن تتضامن مع هذه الصراعات، ولن تتحرك لتضغط على حكوماتها من أجل إيقاف الحرب، والنشطاء المثقفون ممن يعرفون اللعبة لا يمكنهم فعل الكثير أمام زخم وسائل الإعلام الكبيرة التي تؤثر على عقول الشعوب وتبرمجها وفق مصالح المستبدين ووفق مصالح الناهبين لثروات الشعوب.
لقد شهدنا مثل هذا التقسيم حين تم تطبيقه في العراق، وقد أدى إلى استمرار الصراع ولم يحسم حتى اليوم، ولم يحل أياً من مشاكل البلد، بل ازداد التخلف وازدادت الصراعات وظهرت العصبية المذهبية والقومية لتفرق بين العراقيين أبناء التاريخ العريق والحضارة الكبيرة، لتدخل البلد في إطار من التجاذبات المذهبية والقومية كواجهة لصراعات على النفوذ والثروة والهيمنة على مقدرات البلد، وليذبح العراقيون بعضهم بعضاً تقرباً إلى الخالق وباسمه.
إن قوى النهب العالمي ترغب باستمرار في تفرقتنا واختلافنا واقتتالنا البيني، كي تستثمر هذه الخلافات وتستمر في نهبنا، والحضارة الكبيرة الموجودة في منطقتنا هي مزيج رائع من إنتاج شعوب منطقتنا عرباً وكرداً وفرساً وأتراكاً …. الخ، وليست من إنتاج أي قومية أو مذهب لوحده، لهذا من الضروري أن نتعلم العيش مع بعضنا بعضاً، وأن نبحث عن طرق لتبديد مخاوف الكل من الكل، ولإزالة أي تهديد من قبل كيان على كيان آخر، وإعلاء لغة المصلحة والتعاون بين الشعوب، فكيان مثل “PYD” لا يمثل الأكراد، وحزب البعث لا يمثل العرب، وداعش والنصرة لا يمثلان السنة، وحزب الله والمليشيات العراقية لا يمثلون الشيعة، والشعوب باقية والأنظمة والقتلة راحلون.
عذراً التعليقات مغلقة