اللعب في الوقت الضائع

مصطفى الفرحات19 ديسمبر 2018آخر تحديث :
اللعب في الوقت الضائع

في الوقت الذي تسعى فيه الأطراف الفاعلة إلى تثبيت المكتسبات الممهورة بدماء السوريين، يغرد البعض خارج السرب.

الجميع عينه على الحل والعين الأخرى على تحقيق المزيد من المكاسب؛ النظام وحلفاؤه ينظرون بعين الريبة والشك نحو الحل السياسي الذي تشجع عليه المنظومة الدولية والذي يعتقدون أنه سيكون وبالاً عليهم. فالنظام لديه القناعة التامة أن أي حل عادل يستند إلى صوت الشعب السوري وبإشراف دولي ستكون نهايته، وبالتالي يسعى دائماً نحو خلط الأوراق ونحو تصعيد عسكري على هذه الجبهة أو تلك، حتى يبعد شبح التسوية السياسية التي يشكك بنزاهة الأمم المتحدة لإدارتها.

وهكذا، بقيت أبسط الاستحقاقات السياسية في حالة استعصاء، وخرج المبعوث الدولي (ستيفان دي مستورا) من جولة أستانة الحادية عشر خالي الوفاض لينقل تركةً ثقيلة إلى خلفه المبعوث الدولي الجديد إلى سوريا (غير بيدرسون)،
لتعود واشنطن التي تدير خيوط اللعبة السورية باليد الروسية إلى الحديث عن استرجاع الملف إلى العهدة الدولية إن لم يتحقق تشكيل اللجنة الدستورية قبل حلول العام 2019، وهذا ما أتى على لسان المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا (جيمس جيفري).

إذاً يستقبل العام 2019 مآسي لا تليق بحلته الجديدة، مآسي ضحيتها الشعب السوري.

الجانب التركي الذي اهتزت ثقته في إدارة ترامب المتبدل في مواقفه كما يبدل ملابسه، وبشكل خاص حيال تهرب واشنطن من تعهداتها في بلدة منبج ومن التنسيق الأمني على الحدود التركية حيث ذهبت واشنطن إلى تثبيت أمر واقع من جهة واحدة من خلال النقاط العسكرية الأمريكية التي وزعتها على الحدود مع تركيا على كامل مناطق تواجد “قسد”، والتي تعني فيما تعنيه أنها محمية أمريكية أشبه ما تكون بكانتون أو دويلة لقوات “قسد” برعاية أمريكية محضة.
وهذا ما أثار حفيظة تركيا وهاجسها الأمني القديم الجديد، الأمر الذي دفعها إلى زيادة تعزيزاتها العسكرية في المنطقة والتحضير لعملية أمنية تمتد على الشريط الحدودي من منبج إلى تل أبيض وحتى رأس العين، مخطرةً الجانب الأمريكي بالأمر، والذي بدوره لا يريد خسارة تركيا كقوة إقليمية فاعلة وبذات الوقت لا يريد التفريط ببيدق “قسد” الذي راح يستنجد بالنظام كما فعل قبيل عملية غصن الزيتون في منبج.

الروس الذين ضَلّ سعيهم عند تخوم إدلب والذين قوبلت محاولاتهم بشن هجوم على إدلب برفض أممي كبير، شعروا أن إدارة ترامب أوقعتهم في الشرك عندما لم تفِ بتعهداتها حيال ترك الملف السوري بعهدتهم كما كان متفقاً عليه، وبشكل خاص مع تطمينات ترامب لنظيره الروسي بوتين في لقاء الرجلين في قمة هلسنكي.

هذا التغير في الموقف الأمريكي كان واضحاً عندما ألغى ترامب لقاءه مع بوتين في قمة العشرين الأخيرة التي عقدت في الأرجنتين بشكل متزامن مع رسالة واشنطن الإلكترونية التي وضعت كل تحركات قاعدة حميميم تحت المجهر في غرفة عمليات القوات الامريكية شرق الفرات، ومع توقيع ترامب على قانون المساءلة عن الإبادة الجماعية في العراق وسوريا الذي تزامن مع التصريحات الأمريكية والبريطانية التي كذَّبت ادعاءات النظام والروس بخصوص استخدام الثوار للسلاح الكيماوي في حلب.

والأخطر من هذا وذاك ما ذهب إليه مركز ستراتفور للدراسات الاستراتيجية الأمريكي حين توقع أن العام 2019 سيكون عام الحروب بين الأصلاء بعد فشل الوكلاء في تحقيق الهدف وبشكل خاص بعد التصعيد الروسي في أوكرانيا والذي بدوره أزعج الغرب كثيراً .

واليوم تقف إدارة ترامب حجر عثرة أمام جني المحصول السوري من قبل بوتين؛ فلا هو قادر على إعلان النصر وحسم الملف السوري لصالحه ولا هو قادر على إنجاز التسوية التي تقنع الأطراف الفاعلة على التراب السوري، ذلك أن ما يطلبه ساسة البيت الأبيض يفوق قدرة بوتين على فعله، فخروج إيران من سوريا وإنهاء حقبة الإرهاب وتأمين طرق تصدير الطاقة كلها مسائل لم يتم الحسم فيها بعد كل هذه السنين العجاف، وعلى وجه الخصوص تحدي الوجود الإيراني في سوريا والذي يعتبر التحدي الأصعب بالنسبة لبوتين الذي اتكل عليه كثيراً في إنجاز المهام على الأرض.

قد لا يكون الأمريكي جاداً في منح بوتين صك إعادة الإعمار وإعلان النصر العسكري وتحقيق الإنجاز السياسي حتى لو فعل بوتين كل ما يُطلب منه، وبالتالي يتموضع كل طرف خلف ما حققه من إنجازات ومن السعي نحو تصفية الحسابات العالقة، ودائماً الفاتورة من دم الشعب السوري ومن معاناة الشعب السوري، ومن ظروف التشريد واللجوء والنزوح الذي يعيشه السوريون.

الخطوط الحمراء التي وضعت بعدم الاشتباك المباشر وإعادة تدوير المفاعيل القديمة والهدامة على ما يبدو مستمرة وستدخل عامها التاسع وسط ضبابية المشهد وقتامة الصورة التي لازالت تعيش مع المواطن السوري في خيمة نزوحه.

الأحاديث عن الحل كثيرة وعلى الأرض لا يقدم أي طرف من الأطراف أي بادرة قابلة للعيش أو الحياة.

ويستمر اللعب في الوقت بدل الضائع.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل