“أستانا 11” وباب الحارة

بسام الرحال19 ديسمبر 2018آخر تحديث :
“أستانا 11” وباب الحارة

حرق المراحل والقفز على الأولويات وبيع الوهم، أهم ما يميز هذا المسلسل الطويل والدرامي مما يسمى بمسار “أستانا” الخاص بالقضية السورية، حيث لم يستطع المجتمعون في اجتماعهم الأخير من أولياء أمر السوريين على جانبي الدفة، مما اصطلح على تسميتهم بـ”الدول الضامنة” من تحقيق أي خرق مهم في القضايا الأساسية من عديد الملفات المتشابكة، كملف المعتقلين وملف اللجنة الدستورية والانتخابات وملف إدلب.

وكان غريباً ومستهجناً إعلان ديمستورا عن خيبة أمله من أستانا 11 والذي وصف الاجتماع بالفرصة المهدورة، وكأن الاجتماعات السابقة من ذات المسار قد حملت للسوريين “المن والسلوى”، وإعلان دي مستورا هذا كان كما قال بسبب الفشل في إطلاق عمل اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستوراً دائماً للبلاد يحقق بين طياته هواجس ومخاوف الأطراف المختلفة، ويحقق أماني دول العالم الحر في الليبرالية والانفتاح والتعايش ونسيان ما قد كان.

وكان واضحاً منذ البداية أن موضوع اللجنة الدستورية سيشكل عائقاً كبيراً في الاجتماع وسبيلاً للاختلاف في الرؤى والدوافع بين الدول الضامنة ونظرة كل منها لسوريا المستقبل التي تراها، كلّ من زاويته المختلفة ومصالحه الاستراتيجية المتباينة والهوة السحيقة بين العقيدة الفكرية والسياسية لكل من النظام والمعارضة، وأهم ما يجعل اللجنة الدستورية وتشكيلها وآليات عملها ومدى استقلاليتها وكفاءة أعضائها مطباً كبيراً في الحل الشامل هو البعد عن الأسس المنطقية والفنية والقانونية في عمل هكذا لجنة.

لم تستطع اجتماعات أستانا المتعاقبة والاجتماع الحادي عشر والتي شبهها السوريين بالمسلل الشهير”باب الحارة” الذي سيطل علينا قريباً بنسخته العاشرة، إحراز أي تقدم في موضوع المعتقلين والمفقودين، وما يجري هو ترحيل هذا الملف من اجتماع لآخر بسبب عدم القدرة على إلزام النظام باطلاق سراحهم والكشف عن مصير المفقودين منهم، وذلك لسبب واضح تخجل الدول الضامنة من البوح به وهو عدم قدرة النظام على تحقيقه، لأن ذلك سيدخله بمأزق قانوني وأخلاقي بسبب الكم الهائل ممن قضوا تعذيباً وتنكيلاً في أقبية ظلامه وعبارة تبييض السجون ستفتح عليه أبواباً لا يريدها من مراجعات الأسر التي تسأل عن مصير أبنائها.

كما لم تستطع اجتماعات أستانا والاجتماع الأخير إنجاز اتفاق نهائي معلن لوضع إدلب والشمال السوري وترسيم خطوط دائمة لسيطرة الطرفين، لسبب بسيط هو مرحلية اتفاق المنطقة المنزوعة السلاح وعدم رغبة الدول الضامنة لطرف النظام بالالتزام بأي اتفاق كامل ونهائي، ريثما تنضج الظروف المناسبة لإتمام السيطرة على كامل التراب السوري والقضاء نهائياً على المعارضة السورية.

ويبدو أن الولايات المتحدة ولأسباب تخصها تبدي رغبة في إنهاء ملف أستانا وأمه التي حملت به سفاحاً سوتشي، وبدا أن المسؤولون الأمريكيون بدأوا يضيقون ذرعاً بهذا المسار لعجزه عن إتمام ما التزم هو بتحقيقه كاللجنة الدستورية.

واستخدم المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا عبارة ملفتة للتعبير عن رغبة بلاده في إنهاء هذا المسار وهي “سنسحب المقابس”، والمعنى أن سيتم إطفاء النور عن هذه الاجتماعات التي بدأت في سوتشي مروراً بأستانا، وما يلفت في هذا التعبير أن الولايات المتحدة أقرت بأنها هي التي تملك مفاتيح الصراع، وهي التي تقر الحلول أو تمنعها وأن كل شاردة أو واردة في الشأن السوري لا تتم إلا عبرها أو مباركتها.

إن نفاق المجتمع الدولي وعجز مؤسساته الصورية وخضوعها لإرادات الدول الكبرى ومصالحها الاستراتيجية وغياب الحس الإنساني لديه، أدى إلى سلسلة هزيلة من الترتيبات والقرارات الخاصة بحل القضية السورية على أسس واهية وأبعد ما تكون عن العدالة والقيم.

وفي النهاية فإن السوريين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم قد فقدوا الثقة بشكل مطلق بكل هذه الاجتماعات والمسارات التي لم تقد إلا إلى منح النظام فسحات متكررة من التقاط الأنفاس، وفرص لإعادة ترتيب صفوفه وأولوياته من اتفاقيات خفض التوتر وغيرها، ويؤمن السوريون المعارضون إيماناً راسخاً بأن اتفاق المنطقة منزوعة السلاح لن يخرج عن هذا السياق.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل