محمد العبد الله – حرية برس
شهدت مناطق سيطرة نظام الأسد خلال الأيام الماضية أزمة حادة في تأمين اسطوانات الغاز المنزلية للمواطنين، وبلغت الأزمة أشدها في محافظات دمشق وحلب واللاذقية وحماه، ما خلق حالة من الاستياء لدى السكان، وزاد تساؤلاتهم عن سبب تلك الأزمة الخانقة، بالتزامن مع وعود للنظام باقتراب حل المشكلة.
وتداولت صفحات موالية للنظام صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت وجود المئات من السكان في عدة محافظات، وهم ينتظرون دورهم للحصول على أسطوانات غاز من المراكز المعتمدة للتوزيع، بينما تمّ إيقاف معمل الغاز “سادكوب” في حماة عن العمل بسبب نقص الغاز المسال.
حول الأسباب التي ساهمت في حدوث أزمة الغاز، قال الباحث الاقتصادي يونس الكريم لحرية برس: إن “انتاج النظام من الغاز تراجع كثيراً، حيث كان الإنتاج من الغاز يتراوح بين 25-30 مليون متر مكعب في اليوم، في حين بات انتاج النظام حالياُ 16 مليون متر مكعب يومياً، وبنفس الوقت النظام بات مؤخراً يُشجّع المعامل على العمل مجدداً للترويج لعودة عجلة الإنتاج في سوريا، وبالتالي ستستهلك تلك المعامل كميات كبيرة من الغاز”.
وأشار الكريم الى أن “الأسد لا يستطيع تأمين القطع الأجنبي لتلك المعامل كي تستطيع أن تستورد الفيول لتقوم بتشغيل المعامل، إضافةً الى أن السكان يستخدمون الغاز خلال الفترة الماضية لغرض التدفئة، في ظل قلة المازوت، ما سبّب ضغط على الغاز، إضافةً الى زيادة الطلب على الغاز من قبل المطاعم والمخابز والمحلات التجارية”.
وأضاف الكريم أن “روسيا تسيطر على الواجهة البحرية وبالتالي تمنع النظام من تصدير الغاز، كما أن حقول الغاز الغنية موجودة في بادية تدمر، لكن توجد هناك ميليشيات تابعة لإيران، لذلك لا يريد الأسد استثمار الغاز حالياً، قبل أن ينهي عملية ترتيب الأوراق ويًحدّد أولوياته، ويعرف مع أي طرف سيقف (روسيا أو ايران)، وهي كلها أسباب تساهم في خلق أزمة غاز”.
في حين قال المحلل الاقتصادي أيمن الدسوقي لحرية برس: إن “مشكلة الغاز يعود سببها الرئيسي إلى تعثر وصول شحنة من الغاز الإيراني تقدر بــ 2500 طن للموانئ السورية وتوقفها في قبرص تنفيذاً للعقوبات المفروضة على سوريا وإيران، علماً أن النظام يعتمد في الوقت الراهن على شحنات الغاز المنزلي القادمة من الخارج بشكل كلي، بعد أن كانت تصل نسبتها إلى 60% قبيل أزمة الغاز”.
وأضاف الدسوقي أن “ما زاد من حدة أزمة الغاز احتكار تجار المحروقات المحسوبين على رجال أعمال كبار في النظام لاسطوانات الغاز المتوفرة حالياً، الأمر الذي ساهم برفع سعر الاسطوانة الى حوالي 10 آلاف في بعض المناطق”.
وأوضح الدسوقي أن “الغاز المستخرج محلياً في مناطق سيطرة النظام يستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية، في حين يستخدم الغاز المنتج في حقلي كونيكو والعمر لإنتاج الغاز المنزلي وكلاهما يقعان تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية”.
وفي السياق ذاته وضع مسؤولو النظام عدة مبررات لحدوث أزمة الغاز، ومن تلك التبريرات أن هناك جرد نهاية العام، وهناك من ألقى اللوم على المواطن بسبب زيادة الضغط على الغاز، في حين ذكر آخرون أن السبب يعود إلى تأثير الأحوال الجوية على حركة السفن التي تنقل الغاز.
أيضا ذكرت وزارة النفط في حكومة النظام أن احتكار التجار لمادة الغاز أدى الى ندرتها في السوق وارتفاع أسعارها، إضافةً إلى حجج سياسية متعلقة بعرقلة الأسطول الحربي الأميركي لناقلات الغاز الإيرانية المتوجهة إلى سوريا.
كذلك صرح “رئيس نقابة عمال نفط دمشق” علي مرعي لصحيفة “تشرين” التابعة للنظام، أن سبب المشكلة يعود للنقص الحاصل في المادة السائلة المستوردة من الخارج.
بينما ذكر عضو “مجلس الشعب” في حكومة الأسد “نبيل صالح”، أن أزمة الغاز التي تعيشها عدة محافظات سورية مفتعلة لإشغال الناس عن الأوضاع المعيشية السيئة التي يعانون منها، على غرار ما حصل في أزمة المحروقات العام الماضي حيث انشغل الناس عن همومهم الأخرى بكيفية تأمين مواصلاتهم وزراعاتهم.
أزمة الغاز مستمرة للصيف
وفي المقابل قال يونس الكريم: إن “أزمة الغاز ستستمر لبداية الصيف حيث سيخف حينها الطلب عليه، أما خلال الفترة المقبلة ستستمر الأزمة كون الطلب متواصل على الغاز لعدم توفر المازوت بشكل كافي، اضافةً الى أن النظام سيحاول تخفيض ساعات تقنين الكهرباء لترويج عودة الحياة لطبيعتها، وبالتالي سيضطر لاستهلاك كميات كبيرة من الغاز”.
وأضاف الكريم أن “ايران وروسيا لا يقدمون غاز للنظام بسبب ضعف السيولة الاقتصادية لديهم وتوتر العلاقة بينهم وبين النظام، لذلك قد يعمد الأسد لاستيراد الغاز من الأردن لاحقاً، لكن هذا قد يستمر لفترة حتى تنتهي المفاوضات مع الجانب الأردني، ما يعني تواصل أزمة الغاز”.
كذلك أوضح أيمن الدسوقي أنه “من المرجح أن تستمر أزمة الغاز والمحروقات بشكل عام في مناطق سيطرة النظام، ولا سيما خلال أشهر الشتاء مع تنامي الطلب عليها”.
ولفت الدسوقي الى أن “ما سيساهم في تواصل أزمة الغاز، استمرار بقاء حقلي العمر وكونيكو خارج سيطرة النظام، وتوجه الولايات المتحدة إلى تكثيف العقوبات المفروضة على النظام واستهدافها لشبكات النفط والغاز الداعمة للنظام، ما يُصعّب من عملية تأمين الآسد احتياجاته من المشتقات النفطية”.
لعبة خبيثة من النظام
من جهة أخرى وفي ظل تواصل أزمة الغاز، أفاد يونس الكريم أن “النظام سيلجأ الى حيل خبيثة للتحايل على مشكلة الغاز، عبر اتباع سياسة توزيع الغاز على المواطنين بالتدريج، أي يبدأ بتوزيع الغاز على الأحياء الأهم بالنسبة لديه، ومن ثم ينتقل الى توزيع الغاز في اليوم التالي الى الأحياء الأقل أهمية وهكذا”.
وأكد يونس أن “سياسة التوزيع بالتدريج ستحقق عدة فوائد للنظام، ومنها أن إعلام الأسد سيستطيع حينها أن يروّج إعلامياً إلى بدء عودة الغاز، وبالتالي سيُظهر للرأي العام أن جميع المناطق وصل الغاز اليها وأن الأزمة انتهت، وهذا يُخفّف الضغط من قبل الناس لشراء أكثر من أسطوانة غاز وتخزينها لديهم، ما يجبر التجار بنفس الوقت على وقف احتكار مادة الغاز ويمنعهم من بيعها بأسعار مرتفعة”.
ولفت الكريم الى أنه “ليس هناك عقوبات على الاستيراد والتصدير وإنما كان عقوبات على بعض رجال النظام، والأسد لديه طرق كثيرة للتحايل على تلك العقوبات والحصول على الغاز”.
وتابع الكريم قائلاً: إن “النظام صرح سابقاً أنه يستطيع تلبية احتياجات المواطنين من الغاز، وهذا كلام غير دقيق، لأنه كي يستطيع تلبية احتياجات كافة السوريين، يجب أن بوقف عمل بعض المعامل ومحطات الكهرباء التي تعمل على الغاز والتي تصدّر الكهرباء الى لبنان، لذلك فإن الأسد لن يلغي تلك الأمور أو يخفض احتياجاتها من أجل المواطن”.
طوابير للحصول على “الملكة”
وفي ظل أزمة الغاز الخانقة شهدت مناطق النظام طوابير طويلة أمام مراكز توزيع اسطوانات الغاز، في وقت استغل فيه بعض التجار حاجة السكان للحصول على تلك المادة وقاموا برفع أسعارها.
وقال أبو رياض أحد سكان جرمانا بريف دمشق لحرية برس: إن “سعر اسطوانة الغاز الواحدة وصلت الى 8 آلاف ليرة سورية، وبعضهم يبيعها بـ 10 آلاف ليرة”، مضيفاً أن “الغاز متوفر لكن التجار يحتكرونه، والدليل على ذلك أن أحد التجار قال لي أعطني 8 آلاف ليرة وسأؤمن لك 10 اسطوانات بهذا السعر”.
وأضاف أبو رياض أنه “انتظر أمام أحد مراكز توزيع الغاز أكثر من ست ساعات ولم يتمكن من الحصول على أي أسطوانة غاز، بينما كان هناك عناصر من ميليشيات النظام يدخلون الى مراكز التوزيع دون الانتظار على الدور ويأخذون ما يريدون”.
وشبّه الممثل السوري الموالي للنظام “بشار إسماعيل”، أسطوانة الغاز “بالملكة” التي يحيط بها الجنود لمنع الناس من الاقتراب منها، في إشارةً منه إلى ارتفاع أسعار الغاز وفقدانه من الأسواق.
وفي سياق متصل قال أبو صبحي المقيم في منطقة دويلعة بدمشق: “الانتظار أمام مراكز توزيع أسطوانات الغاز ليس له أي جدوى، لذلك اضطررت لشراء أسطوانة بــ 8 آلاف ليرة”، مشيراً الى أن “إعلام النظام تحدث عن قرب حل أزمة الغاز، لكن لا توجد أي مؤشرات تدل على ذلك، والأزمة لا تزال مستمرة”.
وذكرت وسائل إعلام النظام قبل أيام أن ناقلة تحمل على متنها 2500 طن من الغاز المنزلي وصلت الى السواحل السورية، ما سيؤدي لبداية في انفراج أزمة الغاز المنزلي، مشيرةً الى أن سبب تأخر وصول الحمولة يعود إلى الأحوال الجوية في المنطقة الساحلية، وبسبب العقوبات الغربية والأمريكية المفروضة على إيران وروسيا سوريا.
عذراً التعليقات مغلقة