ليس دقيقاً ولا صحيحاً التقسيم الذي اتبعه النظام وحلفائه، أو ما سمي زوراً وبهتاناً بأصدقاء الشعب السوري على أسس جغرافية أو قومية أو ايديولوجية، والذي تم من خلاله رسم خطوط وهمية وحسب الجهة المسيطرة على هذه البقعة أو تلك وحسب مرجعياتها العقدية والسياسية.
الدقيق والصحيح أن النظام ومشغلوه و “سادة العالم الحر” قد عقدوا اتفاقاً لم يكتبوه ولم يعلنوه على اعتبار أن كافة الجهات والفصائل ومهما كانت ارتباطاتها أو مرجعياتها، ومهما كان المكان الذي تنشط فيه غير صالحة ولا مؤهلة من وجهة نظرهم لأن تشكل بديلاً مناسباً للنظام الفاسد والقاتل الذي نكل وقتل وغيب وشرد الملايين من السوريين على اختلاف مآربهم ومشاربهم.
فلم يشفع للفصائل التي سميت بـ”المعتدلة” اعتدالها، كما لم ينفع “الجيش الحر” رغم براغماتيته وحرصه على قيامة الدولة المدنية الديمقراطية وفق المعايير الدولية أن يكون فصيلاً موثوقاً.
وكان واضحاً أن الشيء الوحيد الذي استطاع النظام وداعميه أن يكون عادلاً فيه، هو توزيع الدمار والتشريد وسفك الدماء وهتك العرض على كامل التراب والحواضر السورية من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، ودون أي اعتبارات ايديولوجية أو اجتماعية أو سياسية.
ومن هنا لم يستطع أن يفرق بين شمال حمص ودرعا والغوطة، وبين دير الزور وتدمر وريف حلب الشرقي، ففي نظره الكل عدو والكل يجب قتله وتشريده مهما كان ولاؤه أو مرجعيته، وكان ينبغي على السوريين منذ البداية إدراك حقيقة جلية أن بلدهم كحلبة ترويض كبيرة جرى تقسيمها إلى حظائر مختلفة، وتوزعت الأدوار بين الجميع بمن فيهم من صنفوا كأصدقاء للشعب السوري للانقضاض على هذه الحظائر وإهلاك حرثها ونسلها.
وانطلاقاً من هذه الحقيقة كانت داريا والغوطة وفصائلهم المعتدلة، مماثلة تماماً لدير الزور والرقة وتنظيمها المصنف على قوائم الارهاب الدولية، وتم قتل وتشريد وتهجير كل المناطق المذكورة دون أدنى التفات إلى اعتدالها أو تطرفها، والمتابع اليوم لما يجري من قتل وتدمير ممنهج في هجين بريف دير الزور الشرقي لن يجد فارقاً في المشهد العام لما رآه في حلب أو درعا أو غوطة دمشق.
إن عملية الإبادة الجماعية التي يقوم بها التحالف الدولي لأسر كاملة في هجين وريفها تحت ذرائع محاربة تنظيم الدولة، لن تنطلي على إدراك السوريين ووعيهم مع اختلاف الفاعلين وإن تماهت أو اختلفت خططهم، ولن ينسى الشعب السوري أن من دمر وقتل في الرقة، ويدمر ويقتل في هجين هو نفسه من تخلى عن وكلائه من الفصائل “المعتدلة” في درعا، وأسدى لها نصيحة للاستسلام والتفاوض على شروط الهزيمة مع النظام والروس.
وأكثر ما يشكل عاراً على الكثيرين ممن وصموا أنفسهم بالثوار والأحرار والشبكات الإخبارية الثورية، هو تنكرهم لما يجري في هجين أو تناوله بكثير من الحذر والحياء، ولم يعلم هؤلاء أن الهدف هو كامل المكون والإجهاز على كامل التجربة الثورية، وتسليم المناطق لشذاذ يحكموها ويتسلطوا على شعبها وينهبون خيراتها، ويغيروا ما استطاعوا من الوجه الثقافي والحضاري والاجتماعي لها.
عذراً التعليقات مغلقة