يبدو أننا وصلنا إلى مرحلة من أيام الثورة السورية يلجأ فيها البعض إلى اتباع سياسة ’’التكويع‘‘ العلني، مجاهراً بذلك أمام الجمهور دون أي شعور بالذنب أو تأنيب الضمير، أو مراعاة لشهداء الثورة الذين سقطوا على يد سفاح العصر الحديث، أو حتى خجلاً من هؤلاء المعتقلين القابعين في سجون نظامه وأفرعه الأمنية التي غرقت بدمائهم أثناء تعرضهم للتعذيب على يد شبيحته.
لم يعد الأمر مستغرباً لدرجة بلوغه ذروة الصدمة، لا سيما أننا شاهدنا الكثير من هؤلاء قد تخلى عن مبادئه وأهدافه التي سار عليها منذ انطلاق الثورة السورية ضد هذا النظام وشبيحته ورأسه وحلفائه، متناسياً ما حصل طيلة السنوات الماضية من إجرام بحق هذا الشعب الذي طالب بحريته وكرامته، ليقف هؤلاء الوحوش بوجهه حتى يردعوه عن مطالبه.
ربما كان الأمر عادياً بالنسبة لهم، طالما أنهم ومنذ البداية يتظاهرون بأنهم مع الثورة السورية وضد نظام الإجرام، أو بمعنى آخر ربما كانوا يضعون قدماً هنا وقدماً هناك، إلى حين ترجح الكفة لصالح الشعب أو النظام يميلون معها، (حسب السوق بنسوق).
لم تكن الثورة السورية مرتبطة بأي مكان منذ البداية، منذ تظاهر الآلاف من السوريين بساحات الحرية ضد بشار الأسد ونظامه، حينها كانت المظاهرات ضمن نطاق المدن أو لنقل أنها كانت ضمن المناطق التي كانت مازالت تحت سيطرة النظام، ومع ذلك خرجت مظاهرات الحرية، إلى أن أصبح من الضروري مواجهة هذا النظام بالسلاح واعتبار المناطق الخارجة عن سيطرتها مناطق محررة.
مع مرور السنين الماضية ومحاولات التقدم والانسحاب على حساب النظام والفصائل، آلت الأمور إلى اتفاقيات تهجير قسري برعاية روسية إلى مناطق الشمال السوري، وهنا بدأ النظام يستعيد نفوذه بعد ما قدموا الروس له تلك المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته على طبق من ذهب.
بدأ البعض ممن يحسبون أنفسهم على الثورة السورية بالالتفاف والتفكير بالعودة إلى حضن الوطن، بعدما رأوا أن الثورة السورية قد خسرت الكثير ولم يعد هناك ما يتم إعادته لما كان عليه في السابق، وربما تذرعوا أيضاً بالمقولة التي كان يقولها الموالون للنظام عن الثورة، وغيرهم من الرماديين بأنها (خلصت وفشلت)، على اعتبار أنها مرتبطة بالمناطق فقط لا بفكر الشعب ومبادئه وأهدافه.
ربما كان أكثر شيء قد ألحق الضرر بالثورة السورية هو إعلامها، الذي لم يكن يداً واحدة، طيلة السنوات الماضية، ليصبح جزء من هذا الإعلام خنجراً في خاصرة الثورة بعد رؤية نظام الأسد يحقق تقدماً على حساب الشعب أو المناطق المحررة أو الفصائل الثورية، وليس من الضروري ذكر أي منهم، فهم اليوم يعرفون أنفسهم جيداً وكيف اختلفت سياستهم واتبعوا سياسة ’’التكويع‘‘ إلى حضن الوطن والنظام، حتى بدأوا مؤخراً بالحديث عن بطولات النظام وحكومته و’’إنجازاته‘‘ ولم يبقى سوى أن يقدموا طلب انتساب إلى إعلامه أيضاً.
اليوم تكشف الأوراق أمام الجميع، فبعض الوسائل الإعلامية اتضح هدفها، واتضح توجهها أيضاً، ولم يعد هناك ما يدعو للشكوك حولها، طالما أنها اختارت الكفة الراجحة في سوريا، بعد سقوط المناطق المحررة، معتبرةً أن الثورة السورية قد انتهت وأن الأسد قد انتصر، والعودة إلى حضنه أصبح لا بد منها، فحضن الوطن غالٍ.. حضن الوطن عزيز.
Sorry Comments are closed