في كل جنيف وفي كل أستانا وفي كل اجتماع كان هدفه وأد الثورة السورية بتخطيط من القوى المتخفية وراء مسميات أصدقاء الشعب السوري أو غيرها، كل هذه المجاميع استطاعت أن تصنع لكل منها من يزعمون بأنهم ممثلون عن الشعب السوري مستخدمين ذات الأسلوب الذي ينتهجه نظام الأسد في تصوير بعض الإمعات المتمسحين بالحذاء العسكري على أن هؤلاء هم صفوة الشعب المخلص لبلده وقائده.
وبهذه الرؤوس الفارغة من كلا الطرفين فإن أي حديث للتفاوض على ما تبقى من دماء الشعب السوري لا يتجاوز الكلام عن بعض الأمور الثانوية، أما ما يهم كل سوري خرج في هذه الثورة فيتحاشون الكلام عنه كما كان يحصل تماماً في اجتماعات الجامعة العربية حيث النتيجة أصبحت معلومة قبل كل اجتماع من حيث التأكيد على حق عودة الشعب الفلسطيني وما شابه ذلك دون الخوض بجوهر قضية الشعب حتى ضاعت الحقوق رغم كثرة الاجتماعات التي تنادي بها، وهكذا يحاول المهتمون بجغرافية سورية طرح أفكار وأساليب وطرق لا يمكن أن يقبلها الشعب السوري كحلول بديلة عن قتله أو اقتلاعه من موطنه.
ورغم أن الشعب الذي خرج منتفضاً ضد ظلم وفساد الزمرة الحاكمة أصبح الخاسر الأكبر بفعل التآمر الداخلي والخارجي إلا أن ذلك لم يقنع مدعي الإنسانية والمنادين بحرية الشعوب أن هؤلاء يجب أن يكون لهم الدور الأساسي في تقرير مصيرهم وصناعة مستقبلهم بل حصروا ذلك الحق بيد قلة قليلة أكثرها لم تولد ولم تجرب العيش تحت حكم الأسد، لذلك فإن أي قرار يتعلق بمصير ملايين السوريين ربما لا يعني لها الكثير، وإنما كل ما يعنيها أن يكون لها مقعد في هذا الإجتماع أو اسم على ورقة توقع تحته مهما كان مضمونها، لأنه بات معلوماً لدى كل معني بالثورة السورية وحتى المعادين لها أن وظيفة المفاوضين من الطرفين أصبحت التوقيع على بنود جاهزة فقط ولا يحق لهم المعارضة أو المناقشة.
إلا أن الملف الأقل اهتماماً هو ملف المعتقلين والمختفين، ورغم كل المطالبات الشعبية من قبل المعنيين المتأثرين مباشرة من هذا الملف من أهالي المعتقلين الذين يعيش بعضهم العذاب منذ سنوات تسع، يبدو أن قضية المعتقلين وقد كانت الخط الأحمر الذي ينادي به دعاة المناصرة للشعب السوري فتجاوز النظام كل الخطوط الحمراء التي رسموها وتبين بعد ذلك على أنها خطوط لا يمكن للشعب فقط تجاوزها، وهكذا بقي ملف المعتقلين بين طيات الكتب وفي أدراج الطاولات لا يمكن فتحه في الوقت الحالي لوجود أشياء أهم بالنسبة للمعنيين بملف سورية كإعادة الإعمار واللجنة الدستورية وتعيين مبعوث يواصل اللف والدوران كسابقيه.
حتى في جدول أعمال اجتماعات الشأن السوري لم نعد نرى بنداً يتكلم عن المعتقلين وكأن أمرهم لم يعد يعني شيئاً لأحد، وحتى في مفاوضات التسليم والمصالحة لم يكلف أحد خاطره بطرح قضية المعتقلين كأمر أساسي لا مساومة فيه وكل ما حصل عليه الشعب السوري هو المزيد من الخيام التي لا تختلف كثيراً عن المعتقلات والسجون السورية فأصبح سجين الخيام يطالب بحرية سجين المعتقلات، أما أصحاب البدلات الفاخرة وساكنو الفنادق فلا يكترثون لعدم وجود بند يذكر المعتقلين في اجتماعات الذل.
عذراً التعليقات مغلقة